معــــنى الشــــريعة في اللــــغة والاصطــــلاح
تقتضي
المنهجية العلمية لدراسة أي علم من العلــوم، التعرف على المصطلحات والمفاهــيم الكبرى
التي يدور حولــها العلم، والتي يكثر ترددها على ألسنة أهل المشتغليــن به.
وسنتنـــاول
في هذا الـــدرس بحول الله تعالى: التعرف على أهم المصطلحات التي يدور حولها تاريخ
التشريع، وأولها: مصطـــلح الشـــريعة.
الشريـــــــعة في الـلــغة:
لقد
أشرنا في درس ســــــابق أن الشريعة ترد في اللغة العربية على معنيين:
أحدهما:
الطريقة المستقيمية، ومنه قوله تعالى: (( ثم جعلنـــاك على شريعة من الأمر فاتبعها
ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون)).
والثاني:
مورد –أي منبع ومصدر- الماء الجاري الذي يقصد للشرب.
وتكاد كتب
اللغة تتفق على أن معنى الشريعة في اللغة لا يخرج عن المعاني التي سبق ذكرها:
·
المذهب: الطريقة المستقيمية.
·
شرعة الماء: مورد الماء الذي
يقصده الناس للشرب والاستقاء.
الشريــــــعة في الاصطــــلاح:
نظر المحققون من العلماء في معنى الشريعة في القرآن
الكريم والسنة النبوية الشريفة فوجدوها: "تنتظم كل ما شرعه الله لعباده من
العــقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات".
يقول العلامة التهانوي: "الشريعة... ما شرع الله
تبارك وتعالى لعباده من الأحكام التي جاء بها نبي من الأنبياء صلى الله عليهم وعلى
نبينا وسلم، سواء كانت متـــعلقة بكيفية عمل، وتسمى فرعية وعملية، ودون لها علم
الفقه، أو بكيفية الاعتقاد، وتسمى أصلية واعتقادية، ودون لها علم الكلام".
ويقول العلامة ابن الأثير: " الشرع والشريعة هو ما
شرعه الله لعـــباده من الدين، أي سنه لهم، وافترضه عليهم".
والشريعة على ما ذكره هؤلاء العلماء وغيرهم تنتظم وتشمل
كل الأحكام التي سنها الله في كتابه، أو جاءت عن طـــريق رسول الله صلى الله عليه
وسلم في سنته، لا فرق بين أن تكون في مجال العقيدة، أو العمل، أو الأخلاق.
فالشريعة تشمل أصول الدين، أي ما يتعلق بالايمان بالله
عز وجل، و وحدانيته وصفاته، والنبوة، والبعث، والدار الآخرة وغير ذلك من بحوث علم
التوحيد والعقيدة.
كما تشمل ما يرجع الى تهذيـــب المرء نفسه وأهله، وما ينبغي
له أن يتحلى به من مكارم الأخلاق والسجايا، كالحياء والعفة، والتواضع والصـــدق،...
أو يتنزه عنه من الطبائع المذمومة، كالحسد، والكذب، والبخل، والكبر... ومحل تفصيل
ذلك هو: علم الأخلاق.
وتشتمل الشريعة أيضا أحكام الله تبارك وتعــــالى لأعمال
المكلفين الحسية، من وجوب، وحرمة، وكراهة، وندب، واباحة، وصحة، و بطلان... ونحو
ذلك مما يبحث باسم الفقه.
المنـــــــــــاسبة بيــــن المعنى الاصطـــلاحي واللغـــوي للــــشريعة:
المناسبة بين المعنى الاصطـــلاحي واللغوي لكلمة
"الشريعة" في غاية الوضوح.
فالشريعة ظاهرة واضحة بينة مثلها في ذلك مثل الطريق
الواضح المستقيم، لا يضل سالكه ولا يتيه، ومن وردها فهو كالذي يرد النهر الفياض
المتـــدفق، فيشرب ماء صافيا، من غير كبير عناء، ولا كثير تعب، ولا يخشى الشارب من
نقصان الماء أو تكدره.
وصفوة القول: فان الشريعة الربانية هي المنهج الحق،
والطريق المستقيم، الذي يصون الانسانية من الزيغ والانحراف، ويجنبها مواطن الـــزلل،
ونوازغ الهوى، وهي المورد العذب الذي يروي ضمأها، ويحيي نفوسها، وينير عقــولها،
ولهذا كانت الغاية من التشــريع الاسلامي: استقامة الانسان على الجادة، لينال عز
الدنيا، وسعـــــــــــادة الآخـــرة.
يقول الامام
القرطبي في تفسيره: "الشرعة والشريعة الطريقة الظاهرة التي يتوصل بها الى
النجاة".
والله تعالى أعــــــلى و أعلم
للرجوع للدرس السابق من هــــنا
للانتقال الى الدروس المتعلقة بتاريخ التشريع الاسلامي: من هـــــنا
للمتابع الى الدرس التالي: من هـــــنا
إرسال تعليق