معرفة الإسناد العالي والنازل
(...) ثم اعلم أن هذا النوع من العلو علو تابع لنزول. إذ لولا نزول ذلك الإمام في اسناده لم تعل أنت في إسنادك، وكنت قد قرأت بمرو على الشيخ المكثر أبي المظفر عبد الرحيم بن الحافظ المصنف أبي سعد السمعاني رحمهما الله في أبي البركات الفراوي حديثا ادعى فيه أنه كأنه سمعه هو أو شيخه من البخاري، فقال الشيخ أبو المظفر ليس لك بعال ولكنه للبخاري نازل.
وهذا حسن لطيف يخدش وجه هذا النوع من العلو والله أعلم.
القسم الرابع: تقدم وفاة الراوي:
مثاله العلو المستفاد من تقدّم وفاة الراوي: ما يرويه ابن الصلاح عن شيخ أخبره به عن واحد عن البيهقي الحافظ عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ أعلى من روايتي لذلك عن شيخ أخبره به عن واحد عن أبي بكر بن خلف عن الحاكم وإن تساوى الإسنادان في العدد لتقدم وفاة البيهقي على وفاة ابن خلف لأن البيهقي توفي سنة 458 هجرية وتوفّي ابن خلف سنة 487 هجرية.
وروي عن أبي يعلى الخليل بن عبد الله الخليلي الحافظ رحمه الله قال: قد يكون الإسناد يعلو على غيره بتقدم موت راويه وإن كانا متساويين في العدد ومثل ذلك من حديث نفسه بمثل ما ذكرناه.
ثم إن هذا كلام في العلو المبني على تقدم الوفاة المستفاد من نسبة شيخ إلى شيخ وقياس راو براو.
وأما العلو المستفاد من مجرد تقدم وفاة شيخك من غير نظر إلى قياسه براو اخر فقد حده بعض أهل هذا الشأن بخمسين سنة وذلك ما رويناه عن أبي علي الحافظ النيسابوري قال: سمعت أحمد بن عمير الدمشقي، وكان من أركان الحديث يقول إسناد خمسين سنة من موت الشيخ إسناد علو، وفي ما يروى عن أبي عبد الله بن مندة الحافظ قال: إذا مر على الإسناد ثلاثون سن فهو إسناد عال، وهذا أوسع من الأول.
القسم الخامس: تقدم السماع:
يقول ابن الصلاح: أنبئنا عن محمد بن ناصر الحافظ عن محمد بن طاهر الحافظ قال: من العلو تقدم السماع.
يقول محقق كتاب المقدمة: وكثير من هذا يدخل في النوع المذكور قبله وفيه مالا يدخل في ذلك بل يمتاز عنه مثل أن يسمع شخصان من شيخ واحد وسماع أحدهما من ستين سنة مثلا وسماع الاخر من أربعين سنة، فإذا تساوى السند إليهما في العدد فالإسناد إلى الأول الذي تقدم سماعه أعلى، فهذه أنواع العلو على الاستقصاء والإيضاح الشافي ولله سبحانه وتعالى الحمد كله.
وأما ما روي عن الحافظ أبي طاهر السلفي رحمه الله من قوله في أبيات له:
بــل علــو الحديـــث بيـــن أولى الحـــــــفظ والإتـــــقان صــــحة الإســـــناد
وما روي عن الوزير نظام الملك من قوله أن الحديث العالي ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن بلغ رواته مائة فهذا ونحوه ليس من قبيل العلو المتعارف إطلاقه بين أهل الحديث وإنما هو علو من حيث المعنى فحسب والله أعلم.
إرسال تعليق