تعريف التفسير الإشاري، أسباب ظهوره، وشروط قبوله
1– تعريف التفسير الإشاري:
التعريف الاشاري هو تأويل القرآن بغير ظاهره لإشارة خفية تظهر لأرباب السلوك والتصوف، ويمكن الجمع بينها وبين الظاهر المراد أيضا.
وقد اختلف العلماء في حكم التفسير المذكور، فمنهم من أجازه ومنهم من منعه، وإليك شيئا من أقوال العلماء لتعرف وجه الحق في ذلك.
- قال الزركشي في كتابه "البرهان في علوم القرآن" ما نصه: كلام الصوفية في تفسير القرآن قيل: إنه ليس بتفسير، وإنما هو معان ومواجيد يجدونها عند التلاوة، كقول بعضهم في قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار} [التوبة:123] إن المراد النفس. يريدون أن علة الأمر بقتال من يلينا هي القرب، وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه.
- وقال ابن الصلاح في فتاويه: وجدت عن الإمام أبي الحسن الواحدي المفسر أنه قال: صنف أبو عبد الرحمن السلمي حقائق في التفسير، فإن كان قد اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر.
- قال ابن الصلاح: وأنا أقول: الظن بمن يوثق به منهم إذا قال شيئا من ذلك أنه لم يذكره تفسيرا، ولا ذهب به مذهب الشرح للكلمة، فإنه لو كان كذلك كانوا قد سلكوا مسلك الباطنية، وإنما ذلك منهم تنظير لما ورد به القرآن. فإن النظير يذكر بالنظير، ومع ذلك فيا ليتهم لم يتساهلوا بمثل ذلك، لما فيه من الإبهام والالتباس.
- وقال النسفي في عقائده: "النصوص على ظواهرها؛ والعدول عنها إلى معان يدعيها أهل الباطل إلحاد".
قال التفتازاني في شرحه: "سميت الملاحدة باطنية لادعائهم أن النصوص ليست على ظاهرها، بل لها معان لا يعرفها إلا المعلم، وقصدهم بذلك نفي الشريعة بالكلية. قال: وأما ما يذهب إليه بعض المحققين من أن النصوص على ظواهرها، ومع ذلك ففيها إشارات خفية إلى دقائق تنكشف لأرباب السلوك يمكن التوفيق بينها وبين الظواهر المرادة، فهو من كمال الإيمان، ومحض العرفان.
من هنا يعلم الفرق بين تفسير الصوفية المسمى بالتفسير الإشاري، وبين تفسير الباطنية الملاحدة، فالصوفية لا يمنعون إرادة الظاهر، بل يحضون عليه ويقولون: لا بد منه أولا، إذ من ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم الظاهر، كمن ادعى بلوغ سطح البيت قبل أن يجاوز الباب.
وأما الباطنية فإنهم يقولون: إن الظاهر غير مراد أصلا، وإنما المراد الباطن، وقصدهم نفي الشريعة.
وقال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله في كتابه "لطائف المنن" : اعلم أن تفسير هذه الطائفة لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم بالمعاني العربية ليس إحالة للظاهر على ظاهره؛ ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جلبت الآية له، ودلت عليه في عرف اللسان، وثم أفهام باطنة تفهم عند الآية والحديث لمن فتح الله قلبه، وقد جاء في الحديث: "لكل آية ظهر وبطن" فلا يصدنك عن تلقي هذه المعاني منهم أن يقول لك ذو جدل ومعارضة: هذا إحالة لكلام الله وكلام رسوله، فليس ذلك بإحالة، وإنما يكون إحالة لو قالوا: لا معنى للآية إلا هذا، وهو لم يقولوا ذلك، بل يقرءون الظواهر على ظواهرها، مرادا بها موضوعاتها، ويفهمون عن الله تعالى ما أفهمهم.
2– سبب التفسير الإشاري:
السبب من التفسير الإشاري أولا كان من قبيل التعمق والتبحر من لدن أرباب السلوك والتصوف في كلام الله تعالى بغية تحقيق الغايات وتحصيل المعاني بالتفكر في المفردات، حتى تطور الأمر إلى مبالغات وتأويلات لا علاقة لها بما هو قريب من النظم القرآني ممن له مصلحة في إظهار نبوغه بين عارفي عصره أو أقرانه، أو نصرة قومه وطائفته حتى شاع بعد ذلك بين الطوائف، وأصبح كل من له غاية يبتغيها يستدل عليها بدليل من تأويله للقرآن على هواه. واغتنم ذلك من القوم من لديه نية في تهديم شريعة الله تعالى كما ذكرنا سلفا، قال تعالى: {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون}.
3– شروط قبول التفسير الإشاري:
مما تقدم يعلم أن التفسير الإشاري لا يكون مقبولا إلا بشروط خمسة وهي:
1. ألا يتنافى وما يظهر من معنى النظم الكريم.
2. ألا يدعى أنه المراد وحده دون الظاهر.
3. ألا يكون تأويلا بعيدا سخيفا.
4. ألا يكون له معارض شرعي أو عقلي.
5. أن يكون له شاهد شرعي يؤيده.
والله تعالى أعلى وأعلم.
شارك مع أصدقائك
إرسال تعليق