تفصيل وفوائد في باب النعت:
الأساليب المسموعة: الأسماء الصالحة والغير الصالحة للنعت، وتعريف الأَتباع
تفصيل وفوائد في باب النعت:
الأساليب المسموعة: الأسماء الصالحة والغير الصالحة للنعت، وتعريف الأَتباع
سبق في دروس النعت، أن المصدر يقع نعتا بشرط أن يكون نكرة... و ...
لكن ورد في الأساليب المسموعة وقوع المصدر نعتا مع أنه مبدوء بأل المعرّفة، أو مضاف لمعرفة، ومن الأول كلمة: (الصدق) في مثل قول الشاعر:
إن أخاك الصدق من يسعى معك ... ومن يضر نفسه لينفعك
ومن الثاني قولهم:
مررت برجل، حسبك من رجل، أو شرعك من رجل.
(وهما مصدران بمعنى: كافيك...) أو: همّك من رجل، (بمعنى: مهمك)، أو: نحوك من رجل (بمعنى: مماثلك ومشابهك)، فهذه المصادر كان حقها أن تتعرف بأل، وأن تكتسب التعريف من المضاف إليه، ولكنها لم تتعرف، بسبب أنها بمعنى المشتق الذي لا يستفيد التعريف.
ومن الأمثلة لهذا المشتق الذي لا يكتسب التعريف قوله تعالى: {هذا عارض ممطرنا}، فقد وصف (عارض) بكلمة (ممطر) المضافة إلى الضمير، فلم تكتسب منه التعريف، إذ لو اكتسبت منه التعريف لم يصح وقوعها نعتا للنكرة: (عارض)، وكقول الشاعر:
يا رب غابطنا لو كان يطلبكم ... لاقى مباعدة منكم وحرمانا
فقد دخلت (ربّ) على اسم الفاعل المضاف إلى الضمير، ودخولها عليه دليل على انه لم يكتسب التعريف من المضاف إليه، لأن (ربّ) لا تدخل -في الأغلب- إلا على النكرات، ومثل امرئ القيس في وصف حصانه:
وقد اغتدى والطير في وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل
ف: (قيد) مضاف لمعرفة، ولم يكتسب منها التعريف، بدليل وصف النكرة (منجرد) به.
· كذلك ورد في الأساليب المسموعة بعض أمثلة وقع النعت فيها من أنواع غير التي سلفت، كأن يكون مصدرا لغير الثلاثي، مثل:
- الحازم لا يعالج الأمر علاجا ارتجالا.
أو دالّا على المقدار، مثل:
- اشتريت من الفاكهة الخمس الأقق.
أو دالا على جنس الشيء المصنوع، نحو:
- لبست الثوب الحرير.
أو دالا على بعض الأعيان التي يمكن تأويلها، مثل:
- حصدت الحقل القمح، أي المزروع قمحا.
والأحسن الأخذ بالرأي السديد الذي يمنع القياس على هذه الأشياء، ضبطا لأمور، ومنعا للخلط بينها وبين غيرها مما ليس نعتا.
· من الأسماء ما يصلح أن يكون نعتا في بعض الأساليب، لاستيفائه شروط النعت، ومنعوتا في أساليب أخرى، لاستيفائه شروط المنعوت كذلك، فحكمه مختلف على حسب الدواعي الإعرابية: كأسماء الإشارة، مثل:
- احتفيت بالمصلح هذا. أو بهذا المصلح.
غير أن اسم الإشارة... -المنادى أو غير المنادى- لا يصح وصفه باسم الإشارة.
واسم الإشارة معرفة، فلا يكون نعتا إلا للمعرفة، وإذا وقع منعوتا وجب أن يكون نعته مقرونا بأل (والأحسن أن يكون هذا المقرون مشتقا، فإن كان جامدا فالأفضل اعتباره بدلا او عطف بيان)، ووجب أيضا أن يطابق منعوته في الإفراد والتذكير وفروعهما مع عدم تفريق النعوت، وألا يفصل منه مطلقا، وألا يقطع منه في الإعراب.
الأسماء الصالحة لأمرين:
ومن هذه الأسماء الصالحة لأمرين أسماء الموصولات ... حتى (مَن وما) في الرأي الصحيح، مثل:
- وقف من خطب الفصيح، واستمع الحاضرون إلى ما قيل الرائع.
أو
- وقف الفصيح من خطب، واستمع الحاضرون إلى الرائع ما قيل.
الأسماء الغير الصالحة:
· ومن الأسماء مالا يصلح أن يكون نعتا، ولا منعوتا، كالضمير، والمصدر الدال على الطلب، مثل:
- سعيا في الخير، بمعنى: اسع في الخير.
وكثير من الأسماء المتوغلة في الإبهام، كأسماء الشرط وأسماء الاستفهام، و (كم) الخبرية، و (ما) التعجبية، وكلمة (الآن) الظرفية، وكثير من الظروف المبهمة، مثل: قبل، بعد... ويستثنى من الأسماء المتوغلة في الإبهام بعض ألفاظ تقع نعتا، منها: غير، سوى... و (من) و (ما) النكرتان التامتان.
· ومن الأسماء ما يصح أن يكون منعوتا، ولا يصلح أن يكون نعتا، كالعلم، مثل: إبراهيم، عليّ، فاطمة... وكالأجناس الباقية على دلالتها الأصلية: كرجل، ونمر، وفيل.
· ومن الأسماء ما يصلح أن يكون نعتا، ولا يصلح أن يكون منعوتا، وهي ألفاظ مضافة، معناها الدلالة على بلوغ الغاية في معنى المضاف إليه، ومن أشهرها: (كلّ)، مثل:
- أنت الأمين كل الأمين.
- ذاك هو الخائن كل الخائن.
بمعنى: المتناهي في الأمانة، أو المتناهي في الخيانة، ومثل قول الشاعر:
ليس الفــتى كل الفتى ... إلا الفتــى في أدبــه
وقول الآخر:
إن ابتداء العرف مجد سابق ... والمجد كل المجد في استتمامه
والفصيح الذي يحسن الاقتصار عليه أن يكون المضاف إليه اسما ظاهرا، نكرة أو معرفة، على حسب المنعوت، وأن يكون هذا الاسم الظاهر مماثلا للمنعوت في لفظه ومعناه معا -وهذا هو الأغلب- أو مماثلا لشيء له صلة معنوية قوية به.
كون المضاف إليه اسما ظاهرانكرة أو معرفة على حسب المنعوت:
مثاله قول الشاعر:
كم قد ذكرت لو أجزى بذكركم ... يا أشبه الناس كل الناس بالقمر
فكلمة (كل) نعت للناس.
كون الاسم الظاهر مماثلا للمنعوت في لفظه أو معناه أو هما معا:
ومثاله قول الآخر:
وإن كان ذنبي كل ذنب فإنه ... محا الذنب كل المحو من جاء تائبا
فكلمة (كلّ) الثانية نعت لذنب.
وإذا وقعت كلمة (كلّ) نعتا صارت من الجامد المؤول بالمشتق، وصار معناها: (الكامل) في كذا، وهو معنى يختلف عن معناها الآتي في التوكيد.
· ومن الأسماء: (جدّ، وحقّ)، نحو:
- سمعنا من الخطباء كلاما بليغا جدّ بليغ.
- أصغينا إلى الخطباء إصغاء حقّ إصغاء.
· ومن الأسماء (أيّ)، بشرط أن يكون المنعوت بها نكرة، وكذلك المضاف إليه، نحو:
- الذي بنى الهرم الأكبر عظيم أيّ عظيم.
ومما لا يصلح نعتا ولا يصلح منعوتا الاسم المعرف بأل (العهدية)، لأنه يشبه الضمير، ويقع موقعه، نحو:
- أكرمت عالما تقيا فنفعني العالم.
والتقدير: فنفعني... والفاعل ضمير مستتر، فكلمة: العالم الثانية حلت محل الضمير الفاعل المستتر.
فائدة فوائد:
تعريف ومعنى: الأتباع، بفتح الهمزة:
نرى في بعض الأساليب الواردة عن العرب كلمة زائدة، لا تنفرد بنفسها في جملة، دون أن تسبقها مباشرة في هذه الجملة كلمة أخرى مسموعة تماثلها في وزنها، وفي أكثر حروفها الهجائية (أي: أنه ليس لهذه الكلمة المتأخرة الزائدة، المسموعة في الأسلوب الوارد استقلال بنفسها في جملة ما، ولا استغناء عن كلمة سابقة توافقها في وزنها وفي أكثر حروفها). وأيضا ليس لهذه الكلمة الزائدة المسموعة معنى تجلبه، ولا حكم إعرابي خاص بها توصف معه بأنها مبتدأ، أو فاعل، أو نعت، أو مفعول، أو غير ذلك... أو أنها معربة أو مبنية فهي -لكل ما تقدم- خارجة عن نطاق الاستقلال بنفسها، وصوغها خالية من معنى لغوي تؤديه، وبعيدة من الاتصاف بالإعراب أو البناء، أو التأثر بالعوامل، وإنما تزاد لمجرد التمليح، أو السخرية، أو المدح، أو محض التصويت والتنغيم. وتسمى هذه الكلمة الزائدة الواردة في الأسلوب السماعي، هي ونظائرها: (الأتباع) بمعنى التابع مفردا، ويراد به كل لفظ مسموع، لا يستق بنفسه في جملة، وإنما يجيء بعد كلمة تسبقه مباشرة (بغير فاصل) فيسايرها في وزنها، وفي ضبط آخرها، ويماثلها في أكثر حروفها، دون أن يكون له معنى خاص ينفرد به في هذه الجملة، ولا نصيب في الإعراب أو البناء، مثل: بسن في قولهم: محمد حسن بسن.
وعند إعراب هذا اللفظ الزائد نقول: إنه تابع للكلمة التي قبله مباشرة، أي من أتباعها في الوزن، وضبط الآخر، والمشاركة في معظم الحروف الهجائية، دون أن يكون لهذه التبعية العارضة بوصفها السالف علاقة بالتوابع الأصيلة الأربعة المعروفة والتي نحن بصددها، والتي هي:
- النعت.
- العطف.
- التوكيد.
- البدل.
إذ لا يجري شيء من أوصاف هذه التوابع الأربعة الأصيلة وأحكامها على التابع العارض المذكور فيما سبق، حيث يقتصر حكمه على أمر واحد، هو: أنه مثل الكلمة التي قبله مباشرة في وزنها، وأكثر حروفها، وضبط آخرها، دون بقية أحكامها النحوية، أو غير النحوية.
إرسال تعليق