التشبيه:
الطرفان: انقسامهما إلى حسيين وعقليين ومختلفين، وإلى مفردين ومركبين ومختلفين.
والفرق بين المقيد والمركب
بعد تعريف التشبيه لغة واصطلاحا والكلام على المشبه والمشبه به وجب الحديث عن طرفا المشبه.
ينقسم الطرفان إلى حسيين وعقليين ومختلفين، وإلى مفردين ومركبين ومختلفين:
فالحسيان هما: ما يدركان هما او مادتهما، أي: أجزاؤهما بإحدى الحواس الخمس الظاهرة، وبهذا التفسير دخل في الحسي شيئان:
· ما كان الطرفان فيه مشتركين:
1. إما في صفة مبصرة كتشبيه الحور الحسان بالياقوت والمرجان في قوله تعالى: {كأنهن الياقوت والمرجان}، وقول عنترة يصف غدرانا:
جادت عليها كل عين ثرّة ... فتركن كل قرارة كالدرهم
2. أو في صفة مسموعة كتشبيه الصوت الحسن بالموسيقى، والأسلحة فب وقعها بالصواعق، والأصوات الغير المفهومة بأصوات الفراريج في قول عياش بن سلمة يذم بني دلان:
كأن بني دالان إذا جاء جمعهم ... فراريج يلقى بينهن سويق
3. أو في صفة مذوقة كتشبيه الفواكه الحلوة بالعسل، والبرقوق بالكرز، والريق بالخمر في قول امرئ لقيس:
كأن المدام وصوب الغمام ... وريح الخزامى ونشر القطر
يعل به برد أنيابها ... إذا طلب الطائر المستحر
4. أو في صفة مشمومة، كتشبيه رائحة الرياحين المجتمعة بالغالية، والنكهة بريح العنبر.
5. أو في صفة ملموسة، كما يشبه الجسم بالحرير في النعومة كقول ذي الرمة:
لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر
· الخيالي وهو المعدوم الذي يفرض مجتمعا من أمور عدة كل منها مدرك بالحس، كقول أبي الغنائم المحصى:
خود كأنّ بنــانها ... في خضرة النقش المزرد
سمك من البلور في ... شبك تكون من زبرجد
فسمك على هذه الشاكلة وشبك بهذه الصفة لا يوجدان حتى يدركا بالحس، لكن ما يتألفان منه وهو السمك والبلور وشبك والزبرجد يدرك بالحس.
والعقليان ما لم يدركا، هما ولا مادتهما بإحدى الحواس، كتشبيههم الضلال عن الحق بالعمى، والعلم بالحياة وبهذا التفسير دخل في العقلي:
· الوهمي: وهو ما تخترعه المخيلة من نفسها، وهي قوة من قوى الإدراك، من شأنها اختراع أشياء لا حقيقة لها كما تصور الغوَل بصورة السبع وتخترع له أنيابا.
وبالنسبة للتشبيه هنا فهو: ما ليس مدركا بإحدى الحواس ولكنه لو أدرك لكان مدركا بها كرؤوس الشياطين وأنياب الأغوال في قوله تعالى: {طلعها كأنه رؤوس الشياطين}. وكقول امرئ القيس:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال
فهاتان لا تدركان بالحس لعدم وجودهما لكن لو أدركتا لم تدركا إلا بحاسة البصر.
· الوجداني، كتشبيه الجوع بالنار والعطش باللهب وتسعر النار.
والمختلفتان إما بأن يكون المشبه عقليا والمشبه به حسيا كما يشبه العدل بالقسطاس، والرأى بمواد الليل في قول الشاعر:
الرأى كالليل مسود جوانبه ... والليل لا ينجلي إلا بإصباح
أو بالعكس بتقدير المعقول كأنه محسوس ويجعل كالأصل لذلك المحسوس مبالغة، ويكون حينئذ من التشبيه المقلوب كما في تشبيه العطر بحسن الخلق، في قول الصاحب بن عباد:
أهديت عطرا مثل طيب ثنائه ... فكأنما أهدى له أخلاقه
- والمفردان
- إما مطلقان: كما في تشبيه الشعر بالليل، والمخاطب بالحالم في قول الشاعر:
تأمل إذا ما نلت بالأمس لذة ... فأفنيتها هل أنت إلا كحالم
- وإما مقيدان بوصف أو إضافة أو ظرف أو حال أو نحو ذلك مما يكون له تعلق بوجه الشبه.
كقولهم بمن يفخر بما ليس له: كالحادي وليس له بعير. فهذه الجملة الحالية محتاج إليها في تحقيق الشبه بينهما، وكقول القاضي الفاضل:
والشمس بين الأرائك قد حكت ... سيفا صقيلا في يد رعشاء
- وإما مختلفان والمقيد هو المشبه، نحو:
كأن فجاج الأرض وهي عريضة ... على الخائف المطلوب كفة حابل
ونحو قول المتنبي:
وإذا الأرض أظلمت كان شمسا ... وإذا الأرض أمحلت كان وبلا
وإما بالعكس كقول الخنساء:
أغر أبلج تأتمّ الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار
وقول السري الرفاء:
والفجر كالراهب قد مزقت ... من طرب عنه الجلابيب
- وإما مركبان
كقول الشاعر:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
فالشبه هو مجموع الغبار والسيوف المتألقة في خلاله، والمشبه به هو الليل الذي تتهافت كواكبه إذا لم يقصد تشبيه النقع بالليل والسيوف بالكواكب، بل عمد إلى تشبيه هيأة السيوف وقد سلت من أغمادها وهي تعلو وترسب وتجيئ وتذهب وتضطرب اضطرابا شديدا وتتحرك بسرعة إلى جهات مختلفة، وكذا إلى هيئة الكواكب في تهاويها وتصادمها وتداخلها واستطالة أشكالها عند السقوط.
وهذا القسم نوعان:
1. مالا يصح تشبيه كل جزء من أحد طرفيه بما يقابله من الطرف الثاني:
كقول القاضي التنوخي:
كأنما المريخ والمشتري ... قدامه في شامخ الرفعة
منصرف بالليل عن دعوة ... قد أسرجت قدامه شمعة
فإن المريخ في مقابلة المنصرف عن الدعوة، ولو قيل كأن المريخ منصرف بالليل عن دعوة كان ضربا من الهذيان.
2. ما يصح تشبيه كل جزء من أجزاء أحد طرفيه بما يقابه من أجزاء الطرف الآخر، غير أن الحالة تتغير، كقول أبي طالب السّرقيّ:
وكأن أجرام النجوم لوامعا ... درر نثرن على بساط أزرق
فلو قيل كأن النجوم درر وكأن السماء بساط أزرق كان تشبيها صحيحا، ولكن أين هذا من ذاك الذي يملأ نفسك عجبا إذ يريك هيئة نجوم طالعة متألقة متفرقة في أديم سماء صافية الزرقة.
· وإما مختلفان:
وهو ضربان:
1. أن يكون المشبه مفردا والمشبه به مركبا
كقول الصنوبري:
وكأن محمر الشقيق ... إذا تصوب أو تصعد
أعلام ياقوت نشر ... ن على رماح من زبرجد
فالمشبه هو الشقيق عند تصوبه وتصعده والمشبه به مركب وهو الصورة الحادثة من نشر أجرام حمر مبسوطة على رؤوس سيقان خضر مستطيلة.
2. أن يكون المشبه مركبا والمشبه به مفردا
كقول أبي تمام يصف الربيع:
يا صاحبي تقصيا نظريكما ... تريا وجوه الأرض كيف تصور
تريا نهارا مشـبها قد شابه ... زهر الـــربا فكأنــما هو مـــقمر
يريد أن النبات لشدة خضرته مع كثرته وتكاثفه صار لونه يميل إلى السواد فنقص من ضوء الشمس حتى صار كأنه ليل مقمر فهو قد شبه النهار الذي خالطه زهر الربا (وهذا مركب) بالليل المقمر (وهذا مفرد مقيد بالصفة.
الفرق بين المقيد والمركب:
ليس الفرق بين المقيد والمركب باعتبار التركيب اللفظي لاستوائه فيهما غالبا بل باعتبار قصد المتكلم الهيئة بالذات والأجزاء بالتبع في المركب، وباعتبار قصد جزء من الأجزاء والربط بغيره بالتبع في المفرد المقيد، والحامل على أحد القصدين وجود الحس فيه دون الآخر والحاكم في هذا هو الذوق وصفاء القريحة، ومن ثم قيل أن التفرقة بينهما تحتاج إلى التأمل، ويفرق السامع بينهما باعتبار القرائن الدالة على أن المتكلم البليغ قصد أحد الأمرين.
إرسال تعليق