هل الاستعارة مجاز لغوي أم مجاز عقلي؟ - الفرق بين الاستعارة والكذب
القائلون بلغوية المجاز
يرى الجمهور أن الاستعارة مجاز لغوي وأيده الإمام في أسرار البلاغة، وحجتهم على ذلك أنّا إذا أجرينا اسم الأسد على الرجل الشجاع فإننا لا ندعي له صورة الأسد وشكله وعبالة عنقه ومخالبه ونحو ذلك من الأوصاف الظاهرة التي تبدوا للعيون وتشاهد بالحواس، وإنما ندعي له ذلك من أجل اختصاصه بالشجاعة التي هي من أخصّ أوصاف الأسد وأمكنها.
ومن الجلي الواضح أن اللغة لم تضع الاسم لها وحدها بل لها في مثل تلك الجثة وهانيك الصورة والهيئة ولو كانت وضعته للشجاعة وحدها لكان صفة لا اسما ولكان كل شيء يبلغ في شجاعته إلى هذا الحد جديرا بهذا الاسم على جهة الحقيقة لا على طريق التشبيه والتأويل.
القائلون بعقلية المجاز
ويرى آخرون أنّها مجاز عقلي بمعنى أن التصرف فيها في أمر عقلي لا لغوي، وفي هذا إشارة إلى أنه لا يراد بالعقلي هنا المجاز العقلي المعلوم، وإنما هو هنا المجاز في الكلمة وفيما سيأتي المجاز في الإسناد بل المراد بالعقلي المتصرف فيه هو المعاني العقلية والتصرف فيها جعل بعضها نفس البعض الآخر وإن لم يكن كذلك في الحقيقة واختاره الأمام في دلائل الإعجاز ودليلهم على ذلك أنها لا تطلق على المشبه إلا بعد ادعاء دخوله في جنس المشبه به لأن نقل الاسم وحده لو كان استعارة لكانت الأعلام المنقولة كيزيد ويشكر تستحق هذا الاسم، ولما كانت الاستعارة أبلغ من الحقيقة لأنه لا بلاغة في إطلاق الاسم المجرد عاريا عن معناه.
وإذا كان نقل الاسم تبعا لنقل المعنى كان مستعملا فيما وضع له ومن ثم صح التعجب في قول ابن العميد أبو الفضل محمد بن الحسين كاتب ديوان الرسائل للملك نوح بن نصر من الدولة البويهية يصف غلاما له جميلا:
قامت تظللني من الشمس ... نفس أعز عليّ من نفسي
قامت تظللني ومن عجب ... شمس تظللني من الشمس
كما صح النهي عنه في قول الحسن بن طباطبا:
يا من حكى الماء فرط رقته ... وقلبه في قساوة الحجر
ياليت حظي كحظ ثوبك من ... جسمك يا واحدا من البشر
لا تعجبوا من بلا غلالته ... قد زر أزراره على القمر
فلولا أن ابن العميد ادعى لغلامه معنى الشمس الحقيقي لما كان لهذا التعجب وجه إذ ليس ببدع ولا منكر أن يظلل إنسان حسن الوجه إنسانا ويقيه وهج الشمس بشخصه، ولولا أن أبى الحسن جعل صاحبه قمرا حقيقيا لما كان للنهي عن التعجب معنى لأن الكتان إنما يسرع إليه البلى حين يلابس القمر الحقيقي لا إنسانا بلغ الغاية من الحسن.
وأنت إذا أمعنت النظر رأيت حجة الجمهور دامغة وأنها أحرى بالقبول. وبيان هذا أن ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به لا يخرج عن كونه مستعملا في غير ما وضع له، وأما صحة التعجب والنهي عنه فلبناء الاستعارة على تناسي التشبيه وادعاء أن المشبه به عين المشبه حتى تتم المبالغة إذ من الواضح أن أسدا في قولك رأيت أسدا مستعمل في الشجاع والمعنى الموضوع له الأسد الحقيقي لا الادعائي، فكأنك ادعيت أن للأسد صورتين إحداهما متعارفة وهي التي لها الاقدام والبطش في الهيئة المعروفة للحيوان المعروف وثانيتها غير متعارفة وهي التي لها الجرأة والقوة لكن لا مع تلك الصورة بل مع صورة أخرى على النحو الذي ادعاه المتنبي في عد نفسه وجماعته من جنس الجن وعدّ جماله من جنس الطير حين يقول:
نحن ركب ملجن في زي ناس ... فوق طير لها شخوص الجمال
مستشهدا لدعواه مما يتخيل عرفا من نحو حكمهم إذا رأوا إنسانا لا يقاومه أحد، إنه ليس بإنسان وإنما هو أسد أو هو لأسد في صورة إنسان.
والقرينة التي تنصب في الكلام تنفي المتعارف الذي يسبق إلى الفهم وهو المعنى الأول وتعين ما أنت تستعمل له الأسد وهو ثاني المعنيين.
تنبيه وفائدة.
الفرق بين الاستعارة والكذب
الفرق بين الاستعارة والكذب من وجهين:
1. بناء الدعوى فيها على التأويل أي تأويل دخول المشبه في جنس المشبه به.
2. نصب القرينة على أن المراد بها خلاف ظاهرها، أما الكاذب فيتبرأ من التأويل ويركب كل صعب وذلول لترويج ما يدعيه وإيهام أن ليس الحقّ إلا ما يقول ولا ينصب دليلا على خلاف ما يزعم، وعلى هذا فليس ببدع أن تقع في كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
إرسال تعليق