المجاز المرسل: تعريفه، أقسامه. درس مفصل ومعمق
المجاز المرسل هو: ما كانت العلاقة بين ما استعمل فيه وما وضع له ملابسة ومناسبة غير المشابهة كاليد إذا استعملت في النعمة، للما جرت به العادة من صدورها عن الجارحة وبواسطتها تصل إلى المقصود بها، ويجب أن يكون في الكلام دلالة على رب تلك النعمة ومصدرها بنسبتها إليه، ومن ثم لا تقول اقتنيت يدا ولا اتسعت اليد في المدينة كما تقول اقتنيت نعمة وكثرت النعمة في البلد.
وإنما تقول جلت يده عندي وكثرت أياديه لدي أو ما شاكل ذلك، ومن هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه "أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا" إذ المراد بسط اليد بالعطاء والبذل.
ونظير ذلك اليد إذا استعملت في القدرة لأن أجلى مظاهرها وأحكمها في اليد ألا ترى أن بها البطش والتنكيل والأخذ والقطع والرفع والوضع إلى غير ذلك من أفاعيلها التي ترشدك إلى وجود القدرة ومكانها.
ومن هذا النمط الاصبع في قولهم لراعي الإبل: إن له عليها إصبعا أي أثرا حسنا كما قال الراعي يصف راعيا:
ضعيف العصا بادي العروق ترى له ... عليها إذا ما أجدب الناس إصبعا
دلوا على أثر المهارة والحذق بالإصبع من قبل أنهما لا يظهران في عمل اليد إلا في حسن تصريف الأصابع وخفة رفعها ووضعها كما يظهر ذلك في الخط والنقش وغيرهما من دقائق الصناعات.
علاقات المجاز المرسل
أشهر علاقات المجاز المرسل:
· السببية
وهي كون الشيء المنقول عنه سببا ومؤثرا في شيء آخر، نحو: رعى جوادي المطر أي الكلأ الحادث بالغيث.
· المسببية
وهي كون المنقول عنه مسببا ومتأثرا من شيء آخر، نحو: أمطرت السماء نباتا أي ماء به يوجد النبات، وتناولت كأس الشفاء أي الدواء. وعليه قوله تبارك وتعالى: {وينزّل لكم من السماء رزقا} أي مطرا يسبب الرزق. وقوله جل في علاه: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} أي سلاح يحدث القوة والمنعة.
· الكلية
وهي كون الشيء متضمنا لشيء آخر ولغيره كالأصابع المستعملة في الأنامل في قوله تبارك وتعالى: {يجعلون أصابعهم في آذانهم} أي رؤوس أناملهم. ونحو شربت ماء النيل أي بعضه، والقرينة شربت. ومثل سكنت مصر أي منزلا من منازلها، والقرينة سكنت.
· الجزئية
بمعنى أن الشيء يتضمنه وغيره شيء آخر كإطلاق العين على الربيئة، -والربيئة هو الشخص يطلع على عورات العدو في مكان عال وهو أيضا الجاسوس- لكونها هي المقصودة في كون الرجل ربيئة لأن ما عداها لا يغني شيئا مع فقدها فصارت كأنها الشخص كله، ومن هذا قوله جل في علاه: {قم الليل إلا قليلا} أي صلّ. وقوله تعالى: {لا تقم فيه أبدا} أي لا تصل، وقولهم قال فلان اليوم كلمة نالت استحسان الجميع أي كلاما مفيدا.
وشروط العلاقة الجزئية أمران:
1. أن يكون الكل مركبا تركيبا حقيقيا.
2. أن يستلزم انتفاء الجزء انتفاء الكل عرفا كما في إطلاق الرقبة أو الرأس على الانسان دون إطلاق الظفر أو الأذن مثلا، أو أن يكون زائد الاختصاص بالمعنى المطلوب من الكل كما في إطلاق اليد على المعطي والعين على الجاسوس والربيئة، أو أن يكون أشرف أجزائه كما في إطلاق القافية على القصيدة في قول معن بن أوس:
أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي ... فلما قال قافية هجاني
· الملزومية
وهي كون الشيء يجب عند وجوده وجود شيء آخر كما في إطلاق الشمس على الضوء في قولك دخلت الشمس من الكوة والقرينة على ذلك دخلت.
· اللازمية
وهي كون الشيء يلزم وجوده عند وجود شيء آخر كما في إطلاق الحرارة على النار وإطلاق الضوء على الشمس في قولك انظر الحرارة أي النار، وطلع الضوء أي الشمس والقرينة على ذلك نظر وطلع.
· اعتبار ما كان
وهو النظر إلى الشيء بما كان عليه في الزمن الماضي نحو شربت بنّا جيدا تريد قهوة بن، وعليه قول الله تبارك وتعالى: {وآتوا اليتامى أموالهم} سمى الذين أمرنا بإيتائهم أموالهم حال البلوغ يتامى لما كانوا عليه من اليتم، ونحو قوله جل في علاه: {إنه من يأت ربه مجرما} سماه مجرما باعتبار الدنيا. والقرينة على ذلك شربت، وآتوا، ويأت.
· اعتبار ما سيكون
وهو النظر إلى الشيء بما سيكون في الزمن المستقبل نحو غرست اليوم شجرا وأنت تعني بذورا، وطحنت خبزا أي قمحا، وعليه قوله تبارك وتعالى: {ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا} أي صائرا إلى الكفر والفجور، وقوله تعالى حكاية عن رؤية عن رفيق زنزانة سيدنا يوسف {إني أراني أعصر خمرا} أي عنبا يؤول عصيره إلى الخمرية، والقرينة على ذلك حالية في الأول ومقالية في الباقي وهو طحن، ويلد، وأعصر.
· الحالية
وهي كون الشيء حالا في غيره نحو: نزلت بالقوم فأكرموني أي بدارهم، وعلى ذلك قوله تعالى: {ففي رحمة الله هم فيها خالدون} أي في الجنة التي هي محل الرحمة والقرينة نزل، و {هم فيها خالدون}.
· المحلية
وهي كون الشيء يحل فيه غيره نحو: انصرف الديوان أي عماله، وحكمة المحكمة أي قضاتها، وأقرّت المدرسة توزيع الجوائز على النابغين أي ناظرها. والقرينة على ذلك: انصرف، وحكمت، وأقرت. وقوله تعالى: {فليدع ناديه} أي أهل النادي وقوله تبارك وتعالى: {بيده الملك} أي القدرة، وقوله جل في علاه: {لهم قلوب لا يفقهون بها} أي عقول، وقوله سبحانه: {يقولون بأفواههم} أي ألسنتهم، والقرينة انصرف، وحكمت، ويدعو، وبيده، ويفقهون، ويقولون.
· الآلية
وهي كون الشيء آلة لإيصال أثر شيء إلى آخر، نحو: يتكلم فلان خمس ألسن أي خمس لغات، ونحو قوله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} أي بلغة قومه، وقوله سبحانه: {واجعل لي لسان صدق في الآخرين} أي ذكرا جميلا، والقرينة يتكلم، وأرسلنا، واجعل.
· العموم
وهو كون الشيء شاملا لكثيرين كقوله تعالى: {أم يحسدون الناس} أي محمدا عليه الصلاة والسلام وقوله جل من قائل: {الذين قال لهم الناس} يعني نعيم بن مسعود الأشجعي، والقرينة على ذلك أن الحسد ما كان إلا له وأن القائل ما كان إلا نعيما.
· الخصوص
كإطلاق اسم الشخص على القبيلة نحو: ربيعة، ومضر، وقريش، وتميم.
· البدلية
وهي كون الشيء بدلا وعوضا من شيء آخر نحو قضيت الدين في موعده أي أديته، وفي ملك فلان ألف دينار أي متاع يساوي ألفا، ونحو قوله سبحانه: {فإذا قضيتم الصلاة} أي أديتم. والقرينة في موعده في الأول وحالية في الثاني والثالث.
· المبدلية
أي كون الشيء مبدلا من شيء آخر نحو أكلت دم القتيل أي ديته كما قال عروة الرحال يخاطب امرأته متوعدا:
أكلت دما إن لم أرُعك بضرة ... بعيدة مهوى القرط طيبة النشر
· المجاورة
وهي كون الشيء يجاور غيره فيطلق عليه اسمه كإطلاق الراوية على القربة والثياب على النفس في قول عنترة:
فشككت بالرمح الأصم ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرّم
وقد تكون المجاورة في الذكر فقط وتسمى المشاكلة نحو: اطلبوا لي جبة وقميصا.
· الداليّة
وهي كون الشيء يدل على شيء آخر نحو: فهمت الكتاب أي معناه كما قال المتنبي:
فهمت الكتاب أبرّ الكتب ... فسمعا لأمر أمير العرب
· المدلوليّة
وهي كون الشيء مدلولا لغيره نحو قرأت معناه مشفوعا بتقبيل تريد لفظه.
· إقامة صيغة مقام أخرى
وتسمى هذه العلاقة بالتعلق الاشتقاقي.
ويندرج تحت التعلق الاشتقاقي أقسام:
1. إطلاق المصدر على اسم المفعول نحو قوله جل في علاه: {ولا يحيطون بشيء من علمه} أي معلومه.
2. إطلاق اسم المفعول على المصدر نحو قوله جل من قائل: {بأيّكم المفتون} أي الفتنة.
3. إطلاق اسم الفاعل على المصدر نحو قوله سبحانه: {ليس لوقعتها كاذبة} أي تكذيب. أو على اسم المفعول نحو قوله تعالى: {من ماء دافق} أي مدفوق، وقوله تبارك وتعالى: {ولا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} أي لا معصوم.
4. إطلاق اسم المفعول على اسم الفاعل نحو قوله تعالى: {إنه كان وعده متيا} أي آتيا. وقوله سبحانه: {وحجابا مستورا} أي ساترا.
إرسال تعليق