هل قُدِّم هارون على موسى في التنزيل ؟
من الإعجاز العلمي في القرآن
تحدى الله تعالى فصحاﺀ العرب و بلغاﺀهم أن يأتوا بشيﺀ يماثل هذا القرآن الكريم . و التحدّي ليس لغويا فحسب بل هو في كل إشعاعات هذا الكتاب المعجز تشريعا و اخلاقا و إحكاما و فصاحة و علما و إنباﺀ و من الوجهة العددية و غير ذلك .
و التحدي البياني لا يقصد به غير أهل اللغة و تحديدا : أهل اللغة في عصور الاحتجاج و ذلك لأن غيرهم لن يكونوا متفقهين في هذا اللسان و لن يفهموا اسرار البيان كما كان يفهمها العرب إبان الرسالة و لم ينقل لنا التاريخ ان احدا من العرب الأوائل جارى القرآن و قبل التحدي . بل نقل لنا إسلام عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) و بكاﺀه فور قراﺀته بدايات سورة طه . كما نقل لنا إسلام احد ابرز الفصحاﺀ و صاحب إحدى المعلقات لبيد بن ربيعة و توقفه عن قول الشعر إحساسا منه بأن ما كان يكتبه ليس شيئا بالمقارنة مع البيان القرآني الأسمى .
و نقل لنا ان الوليد بن المغيرة حين استمع إلى القرآن حار في أمره و وصفه بالسحر . لكنه سحر بياني يأسر الألباب .
و نقل لنا أن مصعب بن عمير - رضي الله عنه - كان يقرأ على مشركي الأوس و الخزرج شيئا من كلام الله فتلين قلوبهم و يذعنون للحق و يسلمون .
و قد نال هذا القرآن العزيز عند فصحاﺀ العربية و اهل بلاغتها مكانة لا يصل إليها كلام و منهم عبد القاهر الجرجاني و ليس آخرهم طه حسين و بينهما اعلام كالأعلام مثل الزمخشري و الباقلاني و القرطبي و ابن هشام الأنصاري المصري رحمهم الله جميعا .
كيف يسوق القرآن الإلهي أقوال البشر ؟
لا ريب أن الله تعالى ذكر في كتابه المحفوظ هذا اقوال بعض مخلوقاته سواﺀ أكانوا من الملعونين كإبليس و فرعون او من الأبرار الأخيار كالأنبياﺀ عليهم السلام .. و السنة هؤلاﺀ شتى لكنها مصاغة في الذكر الحكيم بلسان عربي مبين .
و قد تصرف القرآن في اقوالهم مع الحفاظ على المعنى بأدق تعبير و أوجزه و أبلغه .
فالإعجاز في القول ليس من قبل القائل و إنما من قبل الله تعالى .
و هذا يشبه - و لله المثل الأعلى - حين يتحدث الناس إلى من يكتب لهم أقوالهم فهو يصوغها بأسلوبه لا بأساليبهم.
مثال :
و في هذا المثال اتحدث عن آية قصيرة من سورة طه .. تخلو من التصوير و ألوان البلاغة و الإنباﺀ العلمي و مع ذلك فهي تثبت لكل عاقل حكيم انها كلام إلهي معجز حين دخل نبي الله موسى عليه السلام قصر فرعون و معه أخوه الناطق باسمه هارون عليه السلام دعوَا الطاغية إلى الله فسألهما :
((( قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ )))
فالاحتمالات القولية الممكنة لهذا السؤال متعددة مثل :
1- قال فمن ربك يا هارون
2- قال فمن ربك يا موسى
3- قال فمن ربكما يا موسى و هارون
4- قال فمن ربكما يا هارون و موسى
5- قال فمن ربكما يا هارون
6- قال فمن ربكما يا موسى
فأي هذه الاحتمالات ينفرد بكونه معجزا ؟
لا بد ان يكون هذا الاحتمال من حيث المعنى لا يوحي بأن كلا من النبيين الكريمين يتعبد ربا مختلفا عن الآخر . و على هذا يسقط الاحتمالان (1و 2)
و لا بد ان يحقق الاحتمال التجانس الجمالي الإيقاعي في سياق الآية إذ تنتهي الفاصلة القرآنية بألف مقصورة . و بهذا يسقط الاحتمالان (3و5)
و لا بد أن يتضمن هذا الاحتمال تفضيل الرسول موسى على شريكه و وزيره اخيه هارون عليهما السلام . و على هذا يسقط الاحتمال ال(4)
و هذه الأفضلية يفهمها العربي الأول فقد احتج المهاجرون على الأنصار في الخلافة بأن الله سبحانه قدّم في كتابه دائما ذكر المهاجرين على الأنصار .
كما فهم ذلك سيدنا محمد صلوات الله و سلامه عليه و على آله حين سألوه عن ابتداﺀ السعي فأمرهم بالبدﺀ من حيث بدأ الله إذ قال ( إن الصفا و المروة من شعائر الله )
و هكذا فالاحتمالات الخمسة الأولى بشرية
و الكلام الإلهي الوحيد هو المذكور قرآنا
هل قُدِّم هارون على موسى في التنزيل ؟
دائما يقدم القرآن نبي الله موسى على أخيه هارون عليه السلام ما خلا آية واحدة في سورة طه نفسها حين آمن السحرة ( ... قالوا آمنّا برب هارون و موسى ) و فيها نكتة تستدعي الانتباه :
أن المتحدث ذا الصوت الأعلى في المواجهة مع السحرة كان هو هارون . هو الذي ناقشهم و اختاره موسى ليكون ناطقا باسمه لأنه كما وصفه أفصح منه لسانا. فقد قيل إن كليم الله عليه السلام كان يتأتئ ..
و لذلك فردة الفعل في حالة الانفعال تبدأ ممن صورته في وجهك و كلامه في سمعك
إرسال تعليق