التَّمييزُ: تعريفه | أقسامه | أحكامه (تتمة)
(تتمة)
الرجوع إلى بداية الدرس من هنا
5- "كأَيِّنْ" وتَمْيِيزُها:
كأيّنْ (وتُكتَبُ كأيٍّ أيضاً) مثل: "كم" الخبريّة معنًى. فهي تُوافقُها في الإبهام، والافتقارِ إلى التمييز، والبناءِ على السكون، وإفادةِ التّكثير، ولُزومِ أن تكونَ في صدر الكلام، والاختصاصِ بالماضي.
وحكمُ مُميزها أن يكون مفرداً مجروراً بِمِنْ، كقوله تعالى: {وكأيّنْ من نَبيّ قاتلَ معَهُ رِبَيُّونَ كثير} ، وقولهِ :{وكأيّنْ من دابّة لا تَحمِلُ رزقَها، اللهُ يَرزقُها وإياكم} وقولِ الشاعر (من الطويل)
وَكائِنْ تَرَى مِنْ صَامِتٍ لكَ مُعجبٍ ... زِيادَتُهُ أَو نَقْصُهُ في التَّكَلُّمِ!
وقد يُنصبُ على قِلَّة، كقولِ الآخر (من الطويل)
وَكائِنْ لَنا فَضْلاً عَلَيْكُمْ ومِنَّةً ... قَديماً! ولا تَدْرُونَ ما مَنُّ مُنْعِمِ؟
وقول غيره (من الخفيف)
أُطْرُدِ الْيأْسَ بالرَّجا فَكَأيِّنْ ... آلِماً حُمَّ يُسْرُهُ بَعْدَ عُسْرٍ!
· حكم "كأين" في الإعراب:
وحكمها في الإعراب، كحكم أُختها "كم" الخبرية، إلا أنها إن وقعت مبتدأ لا يُخبَر عنها إلا بجملةٍ أو شبهها (أي الظَّرفِ والجارّ والمجرور)، كما رأيتَ ولا يُخبَرُ عنها بمفردٍ، فلا يقالُ "كأينْ من رجلٍ جاهلٌ طريق الخير! "، بخلاف "كم".
6- "كَذا" وتَمْيِيزُها:
تكونُ "كذا" كنايةً عن العددِ المبهَمِ، قليلاً كان أو كثيراً، نحو "جاءني كذا وكذا رجلاً"، وعن الجملةِ، نحو قلتُ "كذا وكذا حديثاً" والغالب أن تكونَ مُكرَّرةً بالعطفِ، كما رأيت. وقد تُستعمَلُ مُفردَةً أو مكرَّرةً بلا عَطف.
وحكمُ مُميّزها أنه مفردٌ منصوبٌ دائماً، كما رأيت. ولا يجوزُ جرهُ. قال الشاعر: (من الطويل)
عِدِ النَّفْس نُعْمى بَعدَ بُؤْساكَ ذاكراً ... كَذا وكَذا لُطْفاً بهِ نُسِيَ الجَهْدُ
وحُكمُها في الإعراب أنها مبنيّةٌ على السكون. وهي تقع فاعلاً، نحو "سافر كذا وكذا رجلاً"، ونائب فاعل، نحو "أُكرِمَ كذا وكذا مجتهداً"، ومفعولاً به نحو "أكرمتُ كذا وكذَا عالماً"، ومفعولاً فيه، نحو: "سافرتُ كذا وكذا يوماً. وسرت كذا وكذا ميلاً"، ومفعولاً مطلقاً، نحو "ضربتُ اللصَّ كذا وكذا ضَربةً"، ومبتدأ، نحو "عندي كذا وكذا كتاباً"، وخبراً، نحو "المسافرونَ كذا وكذا رجلاً".
7- بعضُ أَحكام التَّمْيِيز:
1- عاملُ النّصبِ في تمييزِ الذاتِ هو الاسمُ المُبهَمُ المميَّزُ، وفي تمييزِ الجملةِ هو ما فيها من فعل أو شِبههِ.
2- لا يَتَقدَّمُ التمييزُ على عامله إن كان ذاتاً "كرطل زيتاً"، أو فعلاً جامداً، نحو "ما أحسنَهُ رجلاً. نِعمَ زيدٌ رجلاً. بِئس عَمرٌو امرأً". ونَدَر تَقدُّمُهُ على عاملهِ المتصرّفِ، كقولهِ (من المتقارب)
أَنَفْساً تَطِيبُ بِنَيْلِ المُنى؟ ... وداعِي المْمَنُونِ يُنادي جِهارا!
أمّا تَوسُّطُهُ بينَ العاملِ ومرفوعهِ فجائزٌ، نحو "طابَ نفساً علي".
3- لا يكونُ التمييزُ إلاّ اسماً صريحاً، فلا يكونُ جملةً ولا شِبهَها.
4- لا يجوز تعدُّدُهُ.
5- الأصلُ فيه أن يكونَ اسماً جامداً. وقد يكونُ مشتقاً، إن كان وصفاً نابَ عن موصوفهِ، نحو "للهِ دَرُّهُ فارساً! ما أحسنَهُ عالماً! مررت بعشرينَ راكباً".
(لأن الأصل "لله درّهُ رجلاً فارساً، وما أحسنه رجلاً عالماً، ومررت بعشرين رجلاً راكباً". فالتمييز، في الحقيقة، إنما هو الموصوف المحذوف).
6- الأصلُ فيه أن يكونَ نكرةً. وقد يأتي معرفةً لفظاً، وهو في المعنى نكرةٌ، كقول الشاعر (من الطويل)
رَأَيتُكَ لَمَّا أَنْ عَرَفْتَ وُجوهَنا ... صَدَدْتَ وَطِبْتَ النَّفْسَ يَا قَيْسُ عَنْ عَمْرِ
فإن "أل" زائدةٌ، والأصل "طِبتَ نفساً، ومُلِئتَ رعباً"، كما قال تعالى: {لَوَلْيتَ منهم فراراً ولُمُلئتَ منهم رُعباً} . وكذا قولهم "ألِمَ فلانٌ رأسَهُ" أي "ألِمَ رأساً". قال تعالى: {إلاّ مَنْ سَفِه نَفسَه}، وقال : {وكم أهلكنا من قرية بَطِرَتْ مَعيشَتها} ، أي "سَفِهَ نفساً، وبَطِرَت مَعيشةً". فالمعرفةُ هنا، كما ترى، في معنى النكرة.
(وكثير من النّحاة ينصبون الاسم في نحو "ألم رأيه، وسفه نفسه، وبطرت معيشتها" على التشبيه بالمفعول به. ومنهم من لم يشترط تنكير التمييز، بل يجيز تعريفه مستشهداً بما مرّ من الأمثلة. والحق أن المعرفة لا تكون تمييزاً إلا إذا كانت في معنى التنكير، كما قدمنا).
7- قد يأتي التمييزُ مؤكّداً، خلافاً لكثير من العُلماءِ، كقوله تعالى: {إنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عندَ اللهِ اثنا عشرَ شهراً} ونحو "اشتريتُ من الكتبِ عشرينَ كتاباً"، فشهراً وكتاباً لم يذكرا للبيانِ، لأنَّ الذات معروفة، وإنما ذُكرا للتأكيد. ومن ذلك قول الشاعر (من البسيط)
وَالتَّغْلِبِيُّونَ بِئْسَ الفَحْلُ فَحْلُهُم ... فَحْلاً وأُمُّهُمُ زَلاَّءُ مِنْطِيقُ
8- لا يجوزُ الفصلُ بينَ التمييزِ والعدَدِ إلاّ ضرورة في الشعر كقوله (من الطويل)
"في خَمْسَ عَشْرَةَ من جُمادَى لَيْلَةً"
يريدُ في خَمسَ عَشرَةَ ليلةً من جُمادى.
9- إذا جئتَ بعد تمييز العَددِ - كأحدَ عشرَ وأخواتها، وعشرين وأخواتها - بِنعتٍ، صَحّ أن تُفردهُ منصوباً باعتبارِ لفظِ التمييز، نحو "عندي ثلاثةَ عشرَ، أو ثلاثون، رجلاً كريماً"، وصَحَّ أن تجمعهُ جمعَ تكسيرٍ منصوباً، باعتبار معنى التمييز، نحو "عندي ثلاثة عَشر، أو ثلاثون رجلاً كِراماً، لأن رجلاً هُنا في معنى الرجال، ألا ترى أنَّ المعنى ثلاثةَ عشرَ، أو ثلاثون من الرجال".
ولكَ في هذا الجمعِ المنعوتِ به أن تحمِلَهُ، في الإعراب، على العَدَد نفسه، فتَجعلهُ نعتاً لهُ، نحو "عندي ثلاثةَ عشرَ، أو ثلاثون رجلاً كِراماً". ولكَ أن تقولَ "عندي أَربعونَ درهماً عربياً أَو عربيّةً"، فالتذكير باعتبار لفظٍ الدرهم، والتأنيث باعتبار معناهُ، لأنه في معنى الجمع، كما تقدمَ.
فإن جمعتَ نعتَ هذا التمييز جمعَ تصحيحٍ، وجبَ حملُهُ على نفسه، وجعلُهُ نعتاً لهُ لا للتمييز، نحو "عندي أَربعةَ عشرَ، أو أَربعونَ، رجلاً صالحونَ".
10- قد يضافُ العددُ فيستغنى عن التّمييز، نحو: "هذه عَشَرَتُكَ، وعِشرُو أبيك، وأحدَ عشرَ أَخيكَ"، لأنك لم تُضِف إِلاَّ والمُميّزُ معلومُ الجنس عند السامع. ويستثنى من ذلك "اثنا عشرَ واثنتا عَشْرةَ"، فلم يُجيزُوا إضافتها، فلا يقال "خُذِ اثنيْ عشرَكَ"، لأنَّ عَشْرَ هنا بمنزلةِ نون الاثنين، ونونُ الاثنينِ لا تجتمعُ هي والإضافة، لأنها في حكم التنوينِ، فكذلك ما كان في حكمها.
واعلم أنَّ العددَ المركبَ، إذا اضيفَ، لا تُخِلُّ إِضافته ببنائه، فيبقى مبنيّ الجزءَين على الفتحِ، كما كان قبلَ إضافتهِ، نحو "جاءَ ثلاثةَ عشرَكَ".
ويرى الكوفيّون أنَّ العددَ المركّب إذا اضيفَ اعربَ صدرُهُ بما تقتضيهِ العواملُ، وجرَّ عَجزُهُ بالإضافةِ نحو "هذه خمسةُ عشَركِ. خُذْ خمسةَ عشرِكَ. أعطِ من خمسةِ عشرِكَ" والمختارُ عند النُّحاة أنَّ هذا العددَ يلزم بناءَ الجزءين.
إرسال تعليق