العناصر المكونة للدولة: العنصر البشري | 1
تعتبر الدولة مجموعة من الأفراد يقومون بشكل دائم فوق اقليم معين ويخضعون لسلطة عليا تمارس سيادتها عليهم، وهو ما يعني ان الدولة لا تستقيم الا بتوافر ثلاثة عناصر أساسية؛ وهي:
1- العنصر البشري أي الشعب.
2- العنصر الجغرافي اي الإقليم.
أولا: العنصر البشري | الشعب
يعتبر عنصر الشعب من المقومات الأساسية لقيام الدولة والاعتراف بها، وهو مجموعة من الأشخاص الطبيعيين الذين يشكلون وحدة جماعية متميزة عن الجماعات الاخرى، حيث يرغب الأفراد المكونون للشعب في العيش المشترك وفي اقليم معين بهدف تحقيق مصلحة متبادلة والدفاع عن قيم مشتركة مشكلون بذلك شعبا واحدا وكيانا معين، لهم حقوق وواجبات يتمتعون بها على قدم المساواة.
فقيام الدولة لا يمكن تصوره بدون شعب أو جماعة بشرية تتوافق على العيش المشترك بشكل مستقل في حدود اقليم هذه الدولة وداخل إطارها، فانه لا يشترط أن يبلغ عدده رقما معينا وثابتا، فيختلف عدد افراده من دولة إلى أخرى حسب الظروف الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية والبيئية، فقد يقل إلى بضعة آلاف كما يرى علماء السياسة القدماء مثل "ارسطو" و "وجون جاك روسو". وقد يصل إلى مئات الملايين كما هو الشأن بالنسبة للدولة الحديثة كالصين مثلا، ومن الناحية القانونية كل الدول تتمتع بنفس الخصائص إ ّلا أنه من الناحية السياسية والاقتصادية تعتبر كثافة السكان عاملا هاما في ازدياد قوة الدولة ونفوذها واقتصادها.
ومن الناحية الاجتماعية البيولوجية غالبا ما يسود الانسجام المعنوي بين أفراد الشعب القائم على مقومات مشتركة مثل الجنس واللغة والدين والعرق وغيرها، هذه العناصر ليست شرطا لتكوين الدولة ولكن توافرها في شعب معين من شأنها أن تكون عنصر دعم ووحدة للدولة وقوتها. ويمكن القول ان الشعب ظاهرة طبيعية وسياسية وقانونية؛ ويظهر الجانب الطبيعي في ارتباط أفراده بالإقامة داخل اقليم الدولة بصفة دائمة ومستقرة، أما الظاهرة السياسية فتتمثل في خضوع هؤلاء الأفراد لنظام سياسي معين وسلطة معينة، في حين ان الظاهرة القانونية تتمثل في رابطة الجنسية التي تتميز عادة بالدوام وتفيد الولاء إلى دولة محددة.
1- الشعب وسكان الدولة:
إذا كان الشعب عبارة عن مجموعة من الافراد تقطن بصفة مستمرة اقليما معينا ويخضعون لنظام سياس ي محدد وتربطهم رابط قانونية هي الجنسية، فان لفظ السكان يتسع ليشمل كل من يقيم على ارض الدولة سواء كان مواطنا او اجنبيا اي سواء كان يتمتع بالجنسية ولا، ومن هنا يمكن التميز بين الشعب الاجتماعي والشعب السياس ي من جهة، وبين المواطنين والاجانب من جهة اخرى.
- الشعب الاجتماعي والشعب السياسي:
أ- مفهوم الشعب بالمدلول الاجتماعي:
يقصد بالشعب بالمدلول الاجتماعي هم الأفراد المقيمين على إقليم الدولة والمتمتعين بجنسيتها سواء كانوا مقيمين على اقليمها ام خارجه، رجالا أو نساء كبارا أو صغار راشدين او غير راشدين وكذلك المتمتعين بالحقوق السياسية منهم والمحرومين منها ويطلق على هؤلاء مواطني الدولة أو رعاياها. ويشكل هذا المدلول الركن الاول والاساس ي من اركان وجود الدولة.
ب- مفهوم الشعب بالمدلول السياسي:
- اما الشعب بالمدلول السياسي فيعتبر مجموع الافراد المتمتعين بجنسية الدولة و يتمتعون بنفس الوقت بحقوقهم السياسية أي الذين يتمتعون بحق الانتخاب.
ومن حيث الاختلاف بين المدلولين يتجلى في كون ان المدلول الاجتماعي اوسع واشمل من الشعب بمفهومه السياس ي الذي يستبعد فئات متعددة من افراد الشعب، بحكم مركزهم القانوني او بطبيعة المهنة.
اما اوجه التقارب بين المدلولين تتضح بشكل كبير بالنظر الى طبيعة النظام الدستوري السائد في مجتمع من المجتمعات، حيث ان نطاق الشعب السياس ي يضيق ويتسع تبعا لمدى التمتع بالحقوق السياسية وتبعا لنظام الاقتراع المأخوذ به في الدولة. اذ تتسع دارة الشعب السياس ي عندما تأخذ الدولة بمبدأ الاقتراع العام الذي لا يقيد حق الانتخاب الا بشروط تنظيمية تتعلق بالجنسية او السن او الاعتبار وتخفيض سن الاقتراع. بينما تضيق هذه الدائرة بشكل كبير عند تطبيق مبدا الاقتراع المقيد علاوة عن الشروط التنظيمية ضرورة توفر درجة معينة من التعليم او الانتماء الى طبقة معينة ليتسنى للفرد ان يتمتع بالحقوق السياسية، اضافة الى رفع سن الاقتراع.
وقد أخذ النظام الدستوري المغربي بمبدأ الاقتراع العام إلى ابعد مداه، واستفادة من الفصل 10 من الدستور والمادة 1 من القانون المنظم للانتخابات، لم يشترط المشرع المغربي في الناخب قسطا ماليا او مستوى علميا او انتماء لطبقة معينة، فمنح المشرع المغربي حق الانتخاب للرجال والنساء واعطى مباشرة هذا الحق لمن يبلغ من العمر ثمانية عشر سنة.
- التمييز بين أفراد الشعب والأجانب:
يقصد بسكان الدولة مجموع الافراد المقيمين على اقليم الدولة سواء كانوا من شعبها الاجتماعي او السياس ي او من الاجانب الذين لا تربطهم بالدولة رابطة الولاء حيث لا ينتسبون الى جنسيتها وانما تربطهم بالدولة فقط رابطة اقامة او توطن حسب الاحوال.
ونظرا لأهمية الجنسية باعتبارها تفيد الولاء لدولة معينة وتمكن الافراد من حقوق المواطنة، ويمكن الحصول على الجنسية الدولة بطرق متعددة، بالولاية وهي تتم بحسب رابطة الدم او بحسب رابطة الارض، ويستفاد ذلك من الاعلان العالمي لحقوق الانسان في مادته 01.
وعلى هذا تبقى رابطة الجنسية هي معيار التفرقة بين المواطنين والاجانب سواء على الصعيد الداخلي او الدولي.
- فعلى الصعيد الداخلي يتمتع الأفراد الذين تربطهم بالدولة رابطة المواطنة كونها يحملون جنسيتها، بالحقوق المقررة في القانون الوطني والتنظيمي للدولة مثل حق الترشيح والتصويت للانتخابات وتولي الوظائف العامة وحرية الاستقرار... كما يتحملون اعباء وواجبات لا يتحملها الاجانب كالإجراءات التي تتخذها الدولة للمحافظة على كيانها وسلامتها. وكذا بعض القوانين الجبائية
- أما على الصعيد الدولي فتكمن أهمية الجنسية في تنصيب الدولة نفسها مدافعة عن مواطنيها ضد اي ضرر ناتج عن خرق قاعدة قانونية دولية متفق عليها، لتتدخل لحمايتهم دبلوماسيا وللمطالبة بحقوقهم إذا ما عجز رعاياها عن الحصول عن تعويض من سلطات الدولة الملتزمة بالمسؤولية. هذا ما يسمى بالحماية الدبلوماسية وهي حق الدولة وليس للفرد وان دعوى المسؤولية الدولية التي تحركها الدولة المدعية لحماية مواطنيها دبلوماسيا علاقة قانونية بين الدولتين المدعية والمدعى عليها وهنا يتدخل القانون الدولي العام والاتفاقيات الدولية للحسم في مثل هذه الامور.
و من هنا فان الدولة لا تحمي الا الاشخاص الذين يحملون جنسيتها، كما يجب ان يبقى الشخص يحمل جنسية الدولة منذ قيام الحماية الدبلوماسية الى حين انتهاء القضية المتنازع عليها. ومن خلاله يقر الفقه والقضاء الدوليين على ان الدولة لا تستطيع اللجوء الى ممارسة الحماية الدبلوماسية الا بتوافر شرطين اخرين الى جانب شرط الجنسية وهما:
- شرط الأيدي النظيفة:
حيث يجب ان لا يكون قد صدر من الشخص المضار ما يعتبر مخالفة للقانون الدولي ويكون سلوكه سليما. وتكون يدا المواطن الذي يطلب حماية دبلوماسية من دولته غير نظيفتين في الحالات التالية؛ إذا أخل بالقانون الداخلي للدولة التي يقيم فيها، وإذا قام بعمل يتعارض واحكام القانون الدولي، وإذا اخفى الشخص جنسيته الحقيقية وظهر بمظهر المتمتع بجنسية الدولة التي يقيم فيها.
- شرط استنفاذ طرق التظلم الداخلية:
لكي تمارس الدولة حقها في حماية رعاياها ان يكونوا قد استنفدوا كافة وسائل التقاضي الداخلية، وذلك حتى يتسنى للدولة المسؤولة الفرصة لكي تعوض الضرر الذي اصاب الاجنبي، اما إذا لم تتحقق اية نتيجة تتدخل دولته للمطالبة بحقوقه بطريقة دولية. وبالتالي لا يجوز لدولة الاجنبي رفع دعوى الحماية الدبلوماسية الا في الحالات التالية؛ عدم وجود طرق التظلم يمكن للفرد ان يلجا اليها او التجأ اليها بدون جدوى، وذا كان القضاء فاسد او يضطهد الاجانب او لا يحمي الاجانب، وإذا وجد اتفاق دولي بين دولة أجنبية والدولة المسؤولة حول اقامة دعوى الحماية الدبلوماسية.
2- الشعب والأمة:
نكون امام الامة حينما يسود على افراد الشعب الانسجام المعنوي المبني على الجنس والدين واللغة والعرق والعادات والتاريخ المشترك. فالأمة هي تجمع بشري بين أفراد الشعب يربطهم ارتباط مادي ومعنوي، وحول هذا الارتباط هناك اختلاف يتجلى في تصورين او نظريتين مختلفتين تأطر مفهوم الأمة.
التصور الموضوعي: النظرية الألمانية:
يتأسس التصور الالماني الذي وضع اسسه كل من "فخته" و " ترشك" في القرن 10 على نوع من الحتمية، فالأمة بناء على هذا التصور هي حصيلة او انتاج ضروري لعناصر موضوعية مثل الجغرافيا، اللغة، الدين، الأيديولوجيا، وبشكل خاص العرق، وهذا ما يفسر ان المدلول الالماني لنظرية الامة بين مختلف الاعراق والاجناس وعلى رأسهم الجنس الارقى "الجرماني" على اعتبار ان يكون هذا الجنس خالص وليس بهجين، لذلك فهتلر قبل وصوله الى السلطة كان يقوق "حينما سأصل الى الحكم سأضمن لكل امرة رجل الماني". وهذا حفاظا على العرق لهذا تبنى هذه الأيديولوجية.
التصور الارادي: النظرية الفرنسية:
تبنى هذه النظرية الفيلسوف الفرنسي "رينان" حول مجموعة من الأبعاد حيث اعتبر ان الأمة هي نتاج لعناصر مختلفة وهذه الأبعاد تتجلى في البعد الارادي المعبر عن إرادة العيش المشترك، والبعد الاثني، وما يعتبر مركزيا في هذه النظرية في تشكيل الأمة هي اتحاد مجموعة من العوامل الروحية والمصالح الفكرية والمادية والرغبة في العيش المشترك بغض النظر عن العرق. وقد اعتبرت النظرية الفرنسية ان الامة هي بمثابة عائلة وان الامة هي الحاضر المشترك وهي الحقيقة الروحية الانسانية لها جذور فكرة الوطن.
3- الأمة والدولة:
التلازم بين الامة والدولة:
دولة الأمة تشكلت في القرن 02 أما الدولة فهي إطار خاص من الامة وبالتالي فالأمة أسبق من الدولة وغالبية الدول تشكلت من الامة اي انها متشكلة من الأعراف والتقاليد واللغة والدين...
حق الشعوب في تقرير مصيرها:
يكون حق تقرير المصير في حالة الاستعمار وفي حالة القمع والاضطهاد، هذا ما ورد على لسان الحكومة الكندية عندما طلبت "الكيبك" حقها في تقرير مصيرها.
ما هو موقع دولة الامة الآن؟
ان ما يعرف بالدولة الامة الآن، لم تعد في الوقت الحاضر تمثل الشكل العادي للدولة، فهي تشكل اقلية في العالم وان النموذج الذي تمثله متنازع حوله ومتجاوز. فعلى المستوى الداخلي فان دولة الامة اضطرت في مختلف مناطق العالم الى التسليم بالخصوصيات الجهوية، اللغوية، الدينية، وحتى الاثنية التي تقلص من الهوية الوطنية، ان الاتجاه نحو المحليات اصبح في ظل المجتمعات الراهنة واقعا قائما، وذلك من منطلق ان المواطن هو نفسه اصبح اكثر ميلا نحو الاهتمام بالشأن المحلي، وانه لم يعد يهتم على المستوى الوطني الا بالقضايا الكبرى فقط دون غيرها.
اما على المستوى الخارجي فان الدول اصبحت تعي محدودية قدرتها على اتخاد القرارات بفعل العولمة في الميادين الماكرو-اقتصادية والمالية مثل الاتحاد الاوربي.
إرسال تعليق