الرهن: تعريف الرهن لغة واصطلاحا | حكم الرهن | حالات الرهن
تعريف الرهن لغة واصطلاحا
تعريف الرهن لغة:
الرهن لغة هو: الثبوت والحبس، فمن الأول: يقال نعمة راهنة، أي دائمة وثابتة، ومن الثاني قوله تعالى: (كلّ نفس بما كسبت رهينة) أي "محبوسة"، وقوله جل في علاه: (كل امرئ بما كسب رهين)، وقال الشاعر:
تعريف الرهن اصطلاحا:
عرّف الرهن في الشرع بعدة تعاريف، منها:
قول الشيخ خليل: "الرهن بذل من له البيع ما يباع أو غررا، ولو اشترط في العقد وثيقة بحقّ".
وعرّفه ابن عرفة بقوله: "الرّهن مال قبض توثق في دين".
وجاء في "نهاية الأخبار" لتقي الدّين أبي بكر الدّمشقي بأن الرهن هو جعل المال وثيقة بدين.
وقال الوانوغي: الرهن عقد لازم لا ينقل الملك قصد به التوثق في الحقوق.
وجاء في التحفة: الرهن توثيق بحق المرتهن: وإن حوى قابلة غيبة ضمت.
يتضح من هذه التعاريف: أن الرهن هو: جعل عين لها قيمة مالية في نظر الشرع وثيقة بدين، بحيث يمكن أخذ بعضه من تلك العين.
أو هو: إعطاء من فيه أهلية البيع شيئا يصح بيعه. فيسعى المعطي راهنا والاخذ مرتهنا (بالفتح) فيأخذ المرتهن وثيقة على حقه الثابت في ذمة الراهن إلى أن يستوفي حقه منه أو من منافعه.
ويستنتج مما سبق:
أن في شروط الرهن الاهلية، إذ الرهن كالبيع، فلا يصح من مجنون، أو من صبي لا ميز له، أما الصبي المميز والسفيه والعبد فيصح رهنهم، إن أجازه أولياؤهم.
أن العين المرهونة يجب أن تكون مما يصح بيعه وله قيمة مالية في نظر الشارع، فلا يصح رهن الخمر والخنزير وكل ما يحرم التعامل به شرعا.
ويدخل في حكم الجواز ما لا يحل بيعه في وقت الارتهان كالزرع والثمر الذي لم يبد صلاحه، فلا يباع في الدّين إلا إذا بدا صلاحه وان حل الدين، وفي هذا يقول الشيخ خليل: "وما لم يبد صلاحه وانتظر ليباع".
وليس من شروط الرهن عند الإمامين: مالك والشافعي أن يكون المرتهن ملك الراهن، بل يجوز أن يكون مستعارا أو ملكا لغيره إذا كانت له عليه ولاية، سواء كان أبا أو وصيا عليه، شريطة أن يكون ذلك في مصلحة المحجوز عليه، كأن يرهنه لكسوته أو لطعامه أو تعليمه إذا لم يجد شيئا غير ذلك، بخلاف البيع فإنه لا يصح له أن يبيع محال المحجوز عليه إلا بعد أن يثبت لأن ذلك فيه مصلحة المحجوز عليه عند الحاكم.
قال ابن قاسم في المدونة: "وللوصي أن يرهن من متاع اليتيم رهنا فيما يبتاع له من كسوة أو طعام، كما يتسلف لليتيم حتى يبيع له بعض متاعه. وذلك لازم لليتيم وللوصي أن يعطي مال اليتيم عقار به
واختلف الفقهاء فيما إذا أخذ المرتهن الشيء المرهون بغصب وأقره المغصوب منه ثم جعل هذا الأخير الشيء المغصوب رهنا في يد الغاصب قبل قبضه. فقال الشافعي: لا يجوز ويبقى على ضمان الغصب إلا أن يقبضه.
كما اختلفوا أيضا في رهن المشاع، فمنعه أبو حنيفة، وأجازه مالك والشافعي.
وأجاز مالك رهن المصحف واشتراطه مبني على جواز البيع.
حكم الرهن في الشريعة الإسلامية
الرهن في الشريعة الإسلامية جائز بالكتاب والسنة والإجماع، وأدلة جوازه متعددة.
أدلة جواز الرهن من الكتاب:
من الأدلة في جواز الرهن من القرآن الكريم، قوله تعالى: (وإن كنتم على سفر ولم تجدو كاتبا فرهان مقبوضة).
ويفهم من هذه الآية الكريمة، أن من تعاقد مع غيره، ولم يجد موثّقا يوثّق له فليرهن شيئا يعطيه لمن له الدّين ليطمئن على ماله، ويحفظ المدين بما استدان به خوفا على ضياع ماله المرهون بدون تسامح وتبذير لأن المقصود من الرهن بيع العين المرهونة عند الاستحقاق واستيفاء الحقّ منها، وكذا جلود الميتة ولو بعد دبغها على المشهور. وحكم رهن الكذب كحكم بيعها، والمشهور المنع.
أدلة جواز الرهن من السنة:
أما أدلة جواز الرهن من السنة الشريفة: فيروى عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم: اشترى من يهودي طعاما ورهن درعه.
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة" رواه البخاري
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أيضا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يختلق الرهن".
وجاء في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم: "رهن درعه عند يهودي يقال له أبو الشحم على ثلاثين صاعا من شعير لأهله.
أدلة جواز الرهن من الإجماع:
وأما جواز الرهن من الإجماع فقد اتفق علماء الأمة على جواز الرهن، وقيّدوه بشروط سيأتي تفصيلها إن شاء الله.
وفي الحديث الشريف الأخير السالف الذّكر دلالة على جواز معاملة أهل الكتاب وجواز الرهن في الحضر كما جاز في السفر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من اليهودي الطعام ورهنه درعه وهما بالمدينة، ولأن الرهن وثيقة بتحوز في السفر فجازت في الحضر كالضمان.
قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا خالف ذلك إلا مجاهدا قال ليس الرهن إلا في السفر، لأن الله تعالى شرط السفر في الرهن بقوله تعالى: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة).
ويرى ابن قدامة: أن تخصيص جواز الرهن بالسفر دون الحضر، خرج مخرج الطالب لانعدام الكاتب في السفر غالبا، ولهذا فلا يشترط عدم وجود الكاتب. أما قوله جل في علاه: (فرهان مقبوضة) فهو للإرشاد لا الإيجاب لقوله: (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته) وهو به عند انعدام الكتابة. والكتابة غير واجبة.
حالات الرهن:
الرهن له ثلاث حالات:
1. حالة الرهن الأولى:
وقوع الرهن بعد الحقّ، فيصح بالإجماع، لأنه دين دعت الحاجة إلى أخذ الوثيقة به فجاز أخذها كالضمان، لقوله تبارك وتعالى: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) نجعل الرهن بدلا عن الكتابة، فحل محلها، ومحلها بعد وجوب الحقّ، وهذا ما تدل عليه آية الدين عند قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) نجعل الرهن جزء للمداينة مذكورا بعدها
2. حالة الرهن الثانية:
وقوع الرهن مع العقد الموجب للدين في وقت واحد، فيكون صحيحا، لأن الحاجة داعية إلى ثبوته، وبه قال مالك والشافعي، وأصحاب الرأي، كأن يقول صالح لعبد الرحمن: بعتك هذه البقرة بألف درهم مدة شهر لترهنني بها حصانك، فيقول عبد الرحمن: قبلت ذلك، وإن لم يمتده مع ثبوت الحق ويشترط فيه لم يتمكن من إلزام المشتري عقده، وكانت الحيرة للمشتري.
3. حالة الرهن الثالثة:
وقوع الرهن قبل الحق، كأن يقول شخص لآخر: رهنتك سيارتي هاته بخمسة آلاف درهم تقرضينها غدا وسلمها إليه، ثم أقرضه الدراهم لزم الرهن وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة، لأنه وثيقة فجاز عقدها قبل وجوبه كالضمان، خلافا للإمامين: الشافعي وأحمد الذين يريان أن الرهن وثيقة بحق لا يلزم قبله كالثمن فإنه لا يتقدّم البيع.
إرسال تعليق