مواضع جواز الابتداء بالنكرة:
1- أن تكون النكرة وصفا:
أي إذا كانت النكرة صفة مشتقة فإنه يجوز الابتداء بها، لأن الصفة المشتقة تدلّ على الصفة وصاحبها، من ذلك قولهم: ضعيف عاذ بقرملة، أي: حيوان ضعيف. (ضعيف) مبتدأمرفوع وعلامة رفعه الضمة. والجملة الفعلية (عاذ) في محل رفع خبر المبتدإ.
ومنه أن تقول: فاهم أجاب عن السؤال. أي: طالب فاهم، وذو علم أتانا، أي: رجل ذو علم، حيث (ذو) فيها معنى الصفة.
2- أن تكون النكرة عاملة فيما بعدها:
2- أن تكون النكرة عاملة فيما بعدها:
إذا كانت النكرة عاملة فيما بعدها بالرفع أو النصب أو الجرّ فإنه يجوز الابتداء بها.
وهذه يمكن أن تلحق بما قبلها، حيث تتضمن الصفة المشتقة والمصدر والمضاف.
أما الصفة المشتقة فهي جائزة الابتداء بها إذا كانت نكرة مطلقا، هذا من جانب، ومن وجه آخر فإن الصفة المشتقة تعمل بعد نفي واستفهام، وهما مسوغان للابتداء بالنكرة.
أما المصدر فإنه بإعماله فيما بعده يفيد معنى التخصيص، حيث التعلق به.
وأما الإضافة فقد اتضح ما فيها من تخصيص.
ومن ذلك:
ـ أفاهم الطالبان؟
ـ أكاتب الدرس حاضر؟
ـ أمر بمعروف صدقة.
ـ غلام امرأة جاءنى.
ـ خمس صلوات كتبهنّ الله.
فاهم: اسم فاعل عامل فيما بعده بالرفع، حيث (الطالبان) فاعل له، و (فاهم) مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، وهو نكرة و الطالبان: فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الألف، وهو سادّ مسدّ الخبر.
كاتب: اسم فاعل عامل فيما بعده بالنصب، وهو مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، وتلحظ أنه نكرة، خبره (حاضر).
أمر: مصدر نكرة، وهو مبتدأ، وجاز الابتداء بالنكرة فى هذا الموضع لأنها عاملة فيما بعده، حيث تتعلق شبه الجملة (بمعروف) بالمصدر (أمر).
أما غلام: فإنها نكرة عاملة فيما بعدها بالجرّ على الإضافة، وكذلك (خمس) مبتدأ، وهو نكرة عاملة فيما بعدها بالجر.
ومنه قولك: رغبة فى الخير خير، ما مفهوم القولان. أحاضر المسؤولان؟
3- أن تكون النكرة موصوفة بظاهر:
حيث الصفة للنكرة تقربها من المعرفة لأنها تخصصها، ومثال ذلك: (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) [الأنعام:٢] (أجل) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة، و (مسمى) نعت لأجل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة ، وشبه جملة (عنده) فى محل رفع، خبر المبتدإ، أو متعلقة بخبر محذوف.
ومنه: (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) [البقرة : ٢٢١] (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) [البقرة:٢٢١].
لاعب يدقق في تمريراته سيشترك فى هذه المباراة.
مواطن يخلص فى عمله كلّفناه بهذا العمل الجاد.
كلّ من (أمة، وعبد، ولاعب، ومواطن) مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، وكل منها نكرة موصوفة بالصفات: (مؤمنة، مؤمن، الجملة الفعلية: يدقق، الجملة الفعلية: يخلص). أما الأخبار فهى على الترتيب: (خير، خير، الجملة الفعلية: سيشترك، الجملة الفعلية: كلفناه).
4- أن تكون النكرة موصوفة بمقدر:
أي : تكون النكرة موصوفة بصفة غير مذكورة تقدر طبقا للسياق وواقع الحال.
ويمثل لذلك بالقول: السمن منوان بدرهم، أي: منوان منه، فيكون منوان مبتدأ مرفوعا، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى، وهو نكرة وجاز الابتداء بالنكرة فى هذا الموضع لتقدير صفة محذوفة، هي شبه الجملة المقدرة: منه.
ومنه أن تقول فى سياق حال: ورجل أقبل إلينا، والتقدير: رجل آخر، أو: مقصود، أو: غير ذلك من الصفات.
5- أن تكون النكرة مضافة:
حيث الإضافة تقرب النكرة من المعرفة؛ لأنها تخصصها، فيجوز الابتداء بها ـحينئذـ ومنه أن تقول: أخو صديق زارنى، (أخو) مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف و (صديق) مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة. والخبر هو الجملة الفعلية (زارنى).
ومنه قولك: كتاب مادة وجدته، باب حجرة مفتوح.
ومنه كذلك: غيرك يفعل ذلك. ومثلك محبوب من الجميع، حيث لا تتعرف (غير ومثل) بالإضافة إلى المعرفة؛ لأنهما مستغرقتان فى الإبهام، ولكنهما حال وإضافتهما إليها تكونان مخصصتين. وكل منهما مبتدأ، وخبرهما على الترتيب: الجملة الفعلية (يفعل)، والاسم المرفوع (محبوب).
ومنه قوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : ١٨٥].
ومما أضيف إلى النكرة ويسوغ الابتداء به ما يضاف إلى الأسماء النكرة ذات الدلالات الخاصة، من مثل معانى الكثرة والقلة والضعف والقوة والذلة والخسة والعظمة ... إلخ، فتقول: أقوى رجل موجود، أعظم عالم محاضر اليوم، أذلّ مواطن لصّ ..... حيث كلّ من (أقوى ، وأعظم ، وأذل) مبتدأ، وهو نكرة مضافة إلى نكرة بعدها.
6- أن تكون النكرة مصغرة:
الاسم المصغر إنما هو اسم وصفة محددة، هي (صغير)، فهو موصوف بمقدر ثابت اللفظ والمعنى؛ لذا فإن الاسم المصغر النكرة يكون مخصصا من قبيل الاسم الموصوف. ذلك نحو: رجيل جاءنى، أي: رجل صغير، فيكون (رجيل) مبتدأ مرفوعا، وعلامة رفعه الضمة، وهو نكرة، خبره الجملة الفعلية (جاءنى).
وتقول: كتيّب قرأته، وطفيل عطفت عليه، ودريس ذاكرته، وقطيط رأيته.
كلّ من النكرات المصغرة: (كتيب، طفيل، دريس، قطيط) مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة.
7- أن تدلّ النكرة على محدّد:
المحدد فيه معنى التخصيص: إما بتحديده، وإما بتقدير صفة، فإذا قلت: طابق بمائة جنيه، وطابقان بمائتين، فإن كلّا من النكرتين: (طابق وطابقان) مبتدأ مرفوع، علامة رفع أولهما الضمة، وعلامة رفع ثانيهما الألف، وتلمس فيهما معنى التخصيص، فالتقدير: طابق واحد، وطابقان اثنان.
8- أن يكون فى النكرة معنى الحصر:
يمثل النحاة لذلك بقولهم: شيء ما جاء بك، حيث (شىء) نكرة مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، وتقديرهم: ما جاء بك إلا شيء، والحصر إنما هو تخصيص لأنه قصر. لكن النكرة فى مثل هذا التركيب تلمس فيها صفة مقدرة تقربها من المعرفة، حيث التقدير: شىء مهم، أو ملحّ، أو غير ذلك.
وتقول: متفرج حضر. (متفرج) النكرة مبتدأ مرفوع، والتقدير: ما حضر إلا متفرج، ويمكن أن تقدر: متفرج واحد، أو: مهتم ...
ومنه قولهم: شرّ أهرّ ذا ناب، حيث المعنى: ما أهرّ ذا ناب إلا شرّ .
9- أن تدلّ النكرة على تنويع وتفصيل:
مثل ذلك القول: يوم لنا ويوم علينا. حيث تجد معنى التنويع والتفصيل فى القول، حيث هما يومان، وفصّلا أو نوّعا، و (يوم) فى الموضعين نكرة مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة. خبر الأول شبه جملة (لنا)، وخبر الثاني شبه جملة (علينا)، أو ما يتعلق به شبه الجملة.
ويمكن لك أن تلتمس النعت التقديرىّ فى المعنى كأن يكون: يوم من الأيام، أو يوم جميل أو سعيد، ويوم مشئوم أو حزين، كما أن في التفصيل والتنويع تخصيصا.
ومنه أن تقول: واحد يخصّنا، وآخر يخصّهم، سؤال لنا، وسؤال للفريق الآخر.
ومنه قولهم: (شهر ثرى، وشهر ترى، وشهر مرعى) .
ومنه قول النمر بن تولب العكلى :
فيوم علينا ويوم لناويوم نساء ويوم نسرّ
وفيه (يوم) فى المواضع الأربعة مبتدأ، وهو نكرة تدل على تنويع وتفصيل، والخبر على الترتيب شبها الجملة (علينا، لنا).
والجملتان الفعليتان (نساء، نسر) ، والتقدير: نساء فيه، نسر فيه.
وقول امرئ القيس:
فأقبلت زحفا على الركبتين فثوب لبست وثوب أجرّ
وفيه (ثوب) نكرة دلت على التفصيل والتنويع، فجاز أن تكون مبتدأ، خبره فى الموضعين الجملتان الفعليتان (لبست، وأجر)، والتقدير: لبسته وأجره.
ومنه قول الأعشى:
يداك يدا مجد فكفّ مفيدةوكفّ إذا ما ضنّ بالمال تنفق
(كف) فى موضعيها مبتدأ، وهى نكرة وجاز الابتداء بها لأنها تفصيل بعد تعميم موجود فى قوله: (يداك يدا مجد)، والخبران على الترتيب: (مفيدة)، والتركيب الشرطي (إذا ما ضن بالمال تنفق).
10- أن يكون فى معنى النكرة خرق للعادة:
مثل ذلك قولهم: شجرة سجدت. بقرة تكلّمت. حيث كلّ من (شجرة وبقرة) نكرة وهي مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، خبرهما على الترتيب: الجملة الفعلية (سجدت)، والجملة الفعلية (تكلمت).
وفي الاسم النكرة إذا تضمن معنى الخرق للعادة تعريف ضمني؛ لأنه لا يكون إلا واحدا، ففي النكرة التى تحمل هذا المعنى تخصيص، كما أن فى علاقة الخبر بالمبتدإ ـحينئذـ إثارة للعجب، وقد تلتمس فيها النعت المقدر أو المحذوف. كأن تقدر: شجرة واحدة، أو شجرة معجزة، أو شجرة خارقة، وكذلك التقدير في (بقرة).
11- أن تدلّ النكرة على معنى العجب ولفظه:
إذا قلت: عجب لعبد لا يكرّم نفسه. فإن النكرة (عجب) مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، خبره الجملة الفعلية المنفية (لا يكرم).
ويمكن لك أن تدرك فى النكرة فى هذا التركيب معنى التعريف عن طريق الإضافة الذهنية، فالتقدير: عجبنا، أو: عجبي، أو غير ذلك، ومنه قول الشاعر:
عجب لتلك قضية وإقامتىفيكم على تلك القضية أعجب
وفيه النكرة (عجب) مبتدأ مرفوع، خبره شبه الجملة (لتلك)، أو ما تعلق به شبه الجملة من محذوف.
12- أن تكون النكرة اسم تفضيل:
معنى التفضيل صفة مبهمة تتحدد بذكر المفضل والمفضل عليه؛ ولذا إذا كان المبتدأ اسم تفضيل فإنه يجوز أن يكون نكرة كقولك: خير منك خير من صديقك. أضعف منك رجل لا يحمل ذلك.
13- أن تكون النكرة جوابا لما يستفهم عنه:
المسؤول عنه مجهول، والمجاب به عنه هو المطلوب معرفته، سواء أكان ذلك على قدر طلب السائل، أم كان على قدر علم المجيب، وعلى كلّ يجوز الابتداء بالنكرة فى الجواب؛ لأنه المطلوب أو المتاح، ذلك نحو: صديق. فى جواب: من عندك؟ والتقدير: عندى صديق. فتكون النكرة (صديق) مبتدأ، خبره محذوف دلّ عليه السؤال.
وتقول: قلم. فى جواب: ما ذا فى يدك؟ وكراستان وكتاب. فى جواب: ما ذا أمامك؟
14- أن تدلّ النكرة على معنى الدعاء:
الدعاء تخصيص، حيث تحديد جهة معناه، أو انتسابه إلى مقدر، من ذلك: (سَلامٌ عَلى ال ياسِينَ) [الصافات : ١٣٠].
(وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) [المطففين : ١].
كلّ من: (سلا، وويل، ورحمة) مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة. وكلها نكرات دالة على الدعاء، وتلمس فى كلّ منها التخصيص، إما بتقدير محذوف مضاف، أو نعت: سلام من الله، أو: سلام الله ... إلخ، وإما بكونها للدعاء، فتحددت جهة معناها.
ومنه قول الشاعر :
لقد ألب الواشون ألبا لبينهمفترب لأفواه الوشاة وجندل
حيث قوله: (فترب لأفواه الوشاة وجندل) دعاء.
ومنه قوله تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)[الهمزة : ١] حيث (ويل) مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، وهو نكرة وكذلك: (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) [الصافات:٧٩] (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) [الرعد : ٣٤].
15- أن تكون النكرة مختصة بما تقدم عليها من خبر:
وذلك بأن يكون المبتدأ النكرة مؤخرا ، وقد تقدم عليه الخبر وهو شبه جملة أو جملة، حيث اختصاص المبتدإ بتقديم الخبر عليه؛ لأن الخبر إنما هو تخصيص للمبتدإ. ذلك نحو :(وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) [ق : ٣] شبه جملة (لدينا) فى محلّ رفع، خبر مقدم، أو متعلقة بخبر محذوف، و (مزيد) مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، وهو نكرة اختصّت بتقديم الخبر.
ومثله قوله تعالى : (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) [البقرة : ٧] والقول: قصدك غلامه رجل، حيث (رجل) نكرة مبتدأ مؤخر، خبره المتقدم الجملة الفعلية (قصدك غلامه)، فتخصصت النكرة بهذا التقدم.
16- أن يقصد بالنكرة عموم وشمول:
العموم والشمول فيهما حصر؛ لأن العموم والشمول يجمعان كل أفراد الاسم العام أو الشامل، والحصر فى معناه إنما هو تعريف ضمنى، إذ إن خبر الاسم العام أو الشامل يتعلق معناه بكلّ ما يقع تحت المبتدإ من أجزاء، ومثال ذلك: كلّ يموت. حيث (كلّ) نكرة، وهو مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، وهو اسم يدلّ على عموم وشمول خبره الجملة الفعلية (يموت).
ومنه أن تقول: كلّ يأخذ حقّه. وقوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران:٨٥].
17- أن يقصد بالنكرة إبهام:
إذا قلت: ما أكثر اهتماماتهم بقضايا المجتمع، فإن (ما) تعجبية مبهمة نكرة مبنية فى محلّ رفع، مبتدأ، وجاز الابتداء بالنكرة هنا لأنها تعجبية نكرة مبهمة، وقصد الإبهام فى (ما) وهى مبتدأ يوجب تنكير المبتدإ، والمقصود بالجملة هنا دلالة التعجب لا الإخبار، والإخبار خبرىّ، والتعجب إنشائى.
ومع ملاحظة أن التعبير بأسلوب التعجب يعنى تقديرا: عجبى من كذا، أو: تعجبى من كذا، وليس فيه إخبار.
ومما قصد فيه الإبهام من النكرة المبتدإ بها قول الشاعر:
مرسّعة بين أرساغهبه عسم يبتغى أرنبا
حيث (مرسعة) مبتدأ مرفوع، وهى نكرة قصد إبهامها، حيث لا يقصد فيها البيان والتعيين، أو تقليل الشيوع.
18- أن تكون النكرة بعد حرف الاستفهام:
النكرة بعد الاستفهام يكون فيها معنى الاستغراق أو الشمول والعموم، كما هو فى ذكرها بعد النفي؛ لأنه يكون دالا على معنى شمول الجنس، ففي قوله تعالى: (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) [النمل : ٦٠ ، ٦١ ، ٦٢] تلمس التقدير: أمن إله مع الله؟، أو: لا إله مع الله. وفيهما معنى السؤال عن الجنس بذكر (من) الاستغراقية، أو (لا) النافية للجنس، كما أنك تلمس فيه معنى نفي الجنس. وفى كلّ العموم والشمول أو الاستغراق والحصر.
ويلحظ أن حرف الاستفهام له صدر الكلام، والنكرة بعده يكون لها الصدارة، فجاز أن تكون مبتدأ.
ومنه أن تقول: أمواطن يخون وطنه؟ أصديق غادر بصديقه؟ أكرسيّ خال؟
كلّ من النكرات: مواطن، صديق، كرسي، مذكور بعد استفهام، فهو مبتدأ مرفوع .. أخبارها على الترتيب: الجملة الفعلية (يخون، غادر، خال).
ومنه أن تقول: هل من سؤال تركته؟ أمن قلم معك؟
حيث (من) فى الموضعين استغراقية حرف جرّ زائد، وما بعدها مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحلّ بحركة حرف الجرّ الزائد. أما خبراهما فهما: الجملة الفعلية (تركته)، وشبه الجملة: (معك).
وقولك: أرجل فى الدار أم امرأة؟
ومنه قولك: أقائم المجيبان؟ حيث (قائم) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة، وهو نكرة اعتمدت على حرف الاستفهام (الهمزة) .. و (المجيبان) فاعل مرفوع وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى سدّ مسدّ الخبر.
وقولك: أمخلص المواطنون؟ أفاهم الحاضرون؟.
19- أن تكون النكرة بعد حرف نفي:
ذكر النكرة بعد نفي يعطي معنى الاستغراق، وهو يفيد الشمول والعموم، وفى الشمول معنى يناقض معنى التنكير؛ لأنه إحاطة بأفراد الجنس المذكور، كأن تقول: ما رجل قائم، حيث (رجل) مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، خبره (قائم)، والمبتدأ نكرة بعد نفي (ما)، وتلحظ فيه معنى الشمول، والتقدير: ما من رجل، فيتضمن معنى الاستغراق، ويلحظ أن حرف النفى له صدر الكلام، فما يقع بعده من نكرة يكون لها الصدر وجاز الابتداء بها.
ومنه قولك: ما سؤال تركناه بلا إجابة، ما مواطن خائن، ما قراءة فيها مضيعة للوقت.
والمبتدأ فيها على الترتيب: سؤال، مواطن، قراءة، وكلّها نكرة تقع بعد نفي، ففيها معنى الشمول، أما أخبارها فهي: الجملة الفعلية (تركناه)، خائن، الجملة الاسمية (فيها مضيعة).
ومنه قولك: ما فاهم الطالبان، ما كاتب الطلبة. حيث كلّ من: (فاهم ، وكاتب) مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، وهو نكرة اعتمدت على نفي، وكل من (الطالبان والطلبة) فاعل سد مسدّ الخبر.
20- أن يكون فى النكرة معنى الحقيقة:
يتمثل لذلك بالقول: تمرة خير من جرادة، حيث (تمرة) نكرة وهى مبتدأ مرفوع، خبره (خير). ومعنى الجملة يدل على حقيقة كائنة، والمبتدأ إن كان نكرة فإنه يدل على معنى الجنس؛ لأن المقصود فى مثل هذه التعبيرات عن الحقيقة إنما هو الشمول والعموم، فالمراد جنس التمر لا تمرة معينة؛ لذا فإن النكرة أصبح فيها معنى الحصر الذى يفاد من شمولها وعموميتها، وقد لمسنا ما فى الحصر من معنى التحديد الذى يجعل النكرة مخصصة قريبة من المعرفة.
ومنه أن تقول: استقامة أفضل من انحراف، صدق أكثر منجاة من كذب هدى خير من تعزير.
21- أن تكون النكرة مبتدأ فى مثل:
تأخذ الأمثال بألفاظها حكم المعرفة فى شهرتها وجريها على الألسن، وإدراك ما يرمز إليه المثل من معنى، كما أن المثل بحكم عموميته فى المعنى يتخذ معنى الشمول والعموم، ويمكن أن يفسر علة جواز الابتداء بالنكرة فى قولهم ليس عبد بأخ لك، حيث اسم (ليس) هو النكرة (عبد)، وجاز ذلك لأنه مثل، واسم (ليس) فى حكم الابتداء.
ومنه: شرّ أهرّ ذا ناب. (شر) مبتدأ مرفوع وهو نكرة، خبره الجملة الفعلية (أهر). ويقدر المثل: ما أهر ذا ناب إلا شر.
ومنه: شرّ يجيئك إلى مخّة عرقوب. (شر) نكرة، وهى مبتدأ، خبره الجملة الفعلية (يجيئك).
مأربة لا حفاوة، (مأربة) مبتدأ مرفوع، خبره محذوف تقديره: (جاءت بك).
22- أن تكون النكرة واجبة التقديم فى الجملة:
قد تكون الجملة الاسمية واجبة التصدير بالنكرة حتى تؤدى الغرض الدلاليّ التى وضعت لها، كالجملة الاستخبارية (جملة الاستفهام)، والتركيب الشرطيّ ، ويلحق بهما (كم) الخبرية، وما يضاف إلى أيّ منها؛ ذلك لأن النحاة يجعلون أسماء الشرط وأسماء الاستفهام نكرات. ذلك نحو: من أتانا؟ حيث (من) اسم استفهام مبنىّ على السكون فى محلّ رفع مبتدأ. وهو نكرة خبره الجملة الفعلية (أتانا).
وكذلك تقول: ما فعلته اليوم؟ فتكون (ما) اسم استفهام مبنيا فى محلّ رفع، مبتدأ، خبره الجملة الفعلية (فعلت)، وكلّ من (من) و (ما) الاستفهامتين نكرة.
وتقول: من يأتنا نكرمه. فتكون (من) اسم شرط جازما مبنيا على السكون فى محلّ رفع، مبتدأ، خبره جملتا الشرط والجواب عند معظم النحاة، أو جملة الجواب عند غيرهم.
وتقول: كم من صديق أعنته. فتكون (كم) خبرية مبنية على السكون فى محلّ رفع، مبتدأ، خبره الجملة الفعلية (أعنته)، وهي نكرة.
وتقول فيما أضيف إليها: ابن من أكرمته؟ وعنوان ماذا كتبته؟ وغلام من تكرمه أكرمه.
فيكون كلّ من (ابن، وعنوان، وغلام) مبتدأ مرفوعا، وعلامة رفعه الضمة، وكلّ منها نكرة لأنه أضيف إلى نكرة وهي على الترتيب: (من الاستفهامية، وما ذا الاستفهامية، ومن الشرطية).
وتستطيع أن تلمس معنى الإبهام فى أسماء الشرط وأسماء الاستفهام، حيث لا يعبر أيّ منها عن محدد أو مخصص فاكتسبت التنكير مما وضعت له من دلالة فى التركيب. لذا وجب الابتداء بها وهى نكرة بل وجب أن يكون المبتدأ نكرة مع معنى الاستفهام والشرط.
23- أن تكون النكرة المتقدمة على المعرفة لها حق الصدارة فى الجملة:
ذلك كأسماء الاستفهام، نحو قولك : ما اسمك؟ حيث (ما) اسم استفهام مبنى فى محلّ رفع، مبتدأ عند نحاة، وخبر مقدم عند آخرين. واسم الاستفهام نكرة تقدمت على المعرفة (اسمك)، وله حقّ الصدارة حتى يفهم منه الاستفهام أو الاستخبار، وتلمس فى النكرة وجوب التنكير؛ لأنها تعبر عن مجهول.
ومنه ما ذكر من قولهم: اقصد رجلا خير منه أبوه، حيث (خير) مبتدأ مرفوع عند نحاة، وهو نكرة تقدمت على المعرفة (أبوه).
24- أن تقع النكرة بعد (لو لا):
تربط (لو لا) بين جملتين، ثانيتهما متراتبة على الأولى، وما بعد (لو لا) يجب أن يكون جملة اسمية خبرها محذوف؛ لأنه كون عامّ، فإذا اختصّ ـوهو نادرـ فإنه يجب أن يذكر، والمبتدأ بعد (لو لا) لا يحتاج إلى تعريف واجب، أو تنكير واجب، وذلك لأنه إنما يذكر ليبنى عليه معنى الجملة الثانية. ذلك نحو: لو لا إنسانية لعاش الإنسان فى غابة. حيث (إنسانية) اسم نكرة واقع بعد (لو لا) مبتدأ مرفوع ، خبره محذوف وجوبا.
ومثله أن تقول: لو لا عتاب لما كان للمرء صديق.
ومنه قول الشاعر:
لو لا اصطبار لأودى كلّ ذى مقةلمّا استقلّت مطاياهنّ للظّعن
(اصطبار) مبتدأ مرفوع خبره محذوف وجوبا.
25- أن تقع النكرة بعد فاء الجزاء:
مثال ذلك قولهم: إن ذهب عير فعير فى الرهط، حيث (عير) الثانية واقعة بعد فاء الجواب أو الجزاء وهى مبتدأ مرفوع، وهي نكرة وجاز الابتداء بالنكرة هنا؛ لأن الكلام لا يحتاج إلى تعريف أو تخصيص فى المبتدإ حيث ارتباط جملة الجواب أو الجزاء بما قبلها، فليست مستقلة فى معناها، وتلحظ التكرار اللفظى للمبتدإ، وهو ثان، وفى التكرير يمكن تقدير صفة محذوفة، نحو: فعير آخر.
ومنه أن تقول: إن طار الحمام فحمامة فى القفص. إن ضاع قلمك فقلم معى.
وقد يكون تكرير اللفظ يفهم من المعنى، كأن تقول: إن فقدت ما معك من مال فجنيه معي.
26- أن تقع النكرة بعد (إذا) الفجائية:
ما بعد (إذا) الفجائية من مدلول مفاجأ به لا يستلزم التنكير، حيث معنى المفاجأة فيه معنى التعجب، ويمكن أن تجعله من معنى الجواب والعاقبة، ذلك نحو : خرجت فإذا رجل بالباب. حيث (رجل) نكرة مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، وهى واقعة بعد إذا الفجائية، ويكون خبره مقدرا.
ومنه أن تقول: فتحت الباب فإذا لصّ، فتحت الكتاب فإذا بياض.
يمكن أن نقدر ما بعد النكرة الواقعة بعد (إذا) الفجائية نعتا للنكرة، سواء أكان جملة أم شبه جملة أم اسما، ويكون خبر النكرة محذوفا.
من ذلك قول الشاعر:
حسبتك فى الوغى مردى حروبإذا خور لديك فقلت سحقا
وفيه (خور) وقع بعد (إذا) الفجائية، وهو اسم نكرة فجاز أن يقع مبتدأ.
27- أن تقع النكرة بعد (بينما) و (بينا):
تربط (بينما و بينا) بين جملتين، الثانية منهما بمثابة الإخبار عن الأولى، ومعناها هو المعول عليه، لذا فإن الجملة الأولى إن كانت اسمية لا يكون معناها قائما فى المقام الأول على تنكير المبتدإ أو تعريفه؛ ذلك لأنه بمثابة التمهيد والتهيئة لمعنى الجملة الثانية؛ لذا فإنه يتكرر فيها ذلك، نحو: بينما رجل يعبر الطريق زلّت قدمه، حيث (رجل) نكرة واقعة بعد (بينما)، وهى مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، خبره الجملة الفعلية (يعبر).
ومنه أن تقول: بينما ضيف زارنا اليوم انطفأ النور، بينا طفل سائر وقع فى حفرة، بينما رجل يؤدى عمله فى إخلاص كافأه مديره.
28- أن تسبق النكرة بواو الحال:
الجملة الحالية لا يحتاج أحد أجزائها إلى تعريف أو تنكير أو تخصيص، فالمبتدأ ليس فى حاجة إلى ذلك؛ لأنها ترتبط بما يسبقها من معنى حيث لا تستقل بمعناها، وإنما الأهمّ فيها ارتباطها اللفظى والمعنوى والزمنى بما قبلها، ومجىء المبتدإ فى الجملة الاسمية الحالية نكرة فى نحو قولك: ذاكرت وتفاؤل يحدونى.
الجملة الاسمية (تفاؤل يحدونى) جملة فى محلّ نصب حال، وتلحظ تصدرها بواو الحال، المبتدأ فيها الاسم النكرة (تفاؤل)، والخبر الجملة الفعلية (يحدونى).
ومنه قولك: يسبح المتسابق وقارب بجواره، أفتح الباب وحذر يتملكنى أجلس مع أصدقائى والتزام يسيطر على سلوكي.
ومنه قول الشاعر:
سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدامحيّاك أخفى ضوؤه كلّ شارق
حيث الجملة الاسمية (ونجم قد أضاء) فى محلّ نصب، حال، وهى مصدرة بواو الحال، فجاز أن يبتدأ فيها بالنكرة (نجم).
29- أن يكون المبتدأ (مذ ومنذ):
من ذلك قولك: ما رأيته مذ يوم الجمعة، والتقدير: أو المدة يوم الجمعة، فتكون (مذ) اسما مبنيا فى محل رفع، مبتدأ، خبره (يوم) عند كثير من النحاة.
30- أن تعتمد النكرة على لام الابتداء:
إذا وقعت النكرة بعد لام الابتداء جاز أن تكون مبتدأ، نحو قولك: لرجل موجود، لامرأة حضرت. حيث اللام لام الابتداء حرف مبنى لا محلّ له من الإعراب ، وكلّ من (رجل ، وامرأة) مبتدأ مرفوع، والخبر كلّ من (موجود، والجملة الفعلية: حضرت).
31- أن تعطف النكرة على ما يسوغ الابتداء به:
يجوز أن تكون النكرة مبتدأ إذا عطفت على ما يسوغ الابتداء به من نحو: العطف على المعرفة، كقولك: محمد ورجل أتانا. حيث (محمد) مبتدأ مرفوع، وهو معرفة، وقد عطف عليه النكرة (رجل) وهو نكرة، فجاز أن تكون النكرة مبتدأ ـحينئذـ فكلّ من المعطوف والمعطوف عليه مشترك مع الآخر فى الابتدائية.
العطف على ما يسوغ الابتداء به مما سبق، نحو قوله تعالى: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) [البقرة:٢٦٣]، حيث النكرة (مغفرة) معطوفة على النكرة الموصوفة المبتدإ (قول)، فجاز أن تشاركها فى الابتدائية.
وقوله تعالى: (لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [آل عمران : ١٥٧].
حيث (رحمة) نكرة معطوفة على نكرة موصوفة يسوغ الابتداء بها، فجازت أن تكون مبتدأ؛ لأن المعطوف على المبتدإ بمثابة المبتدإ.
32- أن يعطف على النكرة ما يسوغ الابتداء به:
يجوز أن تقع النكرة فى موضع الابتداء إذا عطف عليها ما يسوغ الابتداء به، فهذا الموضع وسابقه متكاملان ، وذلك أن تقول : صديق وأخى حضرا إلينا. حيث (صديق) نكرة مبتدأ مرفوع، وجاز أن يبتدأ بها لأنه عطف عليها ما سوغ الابتداء به، وهو (أخ) المضاف إلى المعرفة.
ومثله أن تقول: رجل وابنه زرتهما، أستاذ وطلبته تناقشوا سويا.
___________
ملحوظة عامة:
ترى أن المواضع التى يجوز أن يبتدأ فيها بنكرة تتردد بين:
1- كون النكرة مخصصة محددة قريبة من المعرفة بوسيلة من وسائل التخصيص والتحديد والتقييد.
2- كون النكرة تدلّ على عموم وشمول فتلمس فيها معنى الحصر، والحصر يكاد يكون تعريفا لأنه لا يترك فردا أو جزءا مما يقع تحت النكرة العامة أو الشاملة.
3- كون النكرة واجبا فيها التنكير لأداء الوظيفة الدلالية المقصودة منها فى التركيب، كالاستفهام والشرط.
4- كون النكرة فى موضع أو معنى لا يحتاج إلى تعريف أو تنكير لأنه مرتبط بمعنى آخر، أو أن المعنيين -الذى فيه النكرة والآخر المرتبط به- أحدهما عاقبة للآخر، أو جواب وجزاء له، فالسمة الخالصة لهذه المجموعة هو ارتباط معنيين ببعضهما والنكرة المبتدأ بها أحدهما.
5- كون النكرة معطوفا عليها ما يسوغ الابتداء به، أو معطوفة على ما يجوز أن يكون مبتدأ من معرفة أو نكرة مختصة أو عامة.
👌👌👍👍
ردحذفبارك الله بك واكثر من علمك.
ردحذفكيف اعرب جملة / عينا اخي خضراوان
إرسال تعليق