وبعد:
فحديثنا سيكون عن أحد المؤلفات التي تندرج ضمن مجال الفلسفة ويتمحور موضوعها حول "الوحي والوعي"، ومما لا مِرية فيه أنّه ذو صلة عميقة ووطيدة بحياة الإنسان، كما أنه في غاية الأهمية لمساسه العديد من الجوانب في حياتنا وتديّننا إذ يبرز كيفية تداخل الوعي في الوحي، ومدى إدراك العقل البشري وتلقيه للوحي بواسطة الوعي. و نرجو أن لا نكون قد قصرنا أو أهملنا تبيان جواهر عناصر الكتاب.
الهدف من تأليف الكتاب:
تِبيان ثنائية الوحي والوعي، و قراءة جوهر الصلة والعلاقة بين المراد الإلهي والفهم البشري، وكيف تم التعبير عن هذه الثنائية تاريخياً بالعقل والنقل، والظاھر والباطن، والحقيقة والشريعة، والتنزيل والتأويل.
التعريف بالكاتب:
خالد بن محمد العماري: باحث في فلسفة الوعي، مؤلف كتاب الوحي والوعي: قراءة في جوھر الصلة، وكتاب الوعي بالأفكار، ضيف برنامج أجيال الرؤية، والمشرف العام على مؤسسة مشاريع الطفولة...
وعدد صفحات الكتاب: 103
استهل الكاتب خالد العماري كتابه بحديث نبوي شريف يوضح لنا في مضمونه صور نزول الوحي على النبي صلى ﷲ عليه وسلم، ثم انتقل إلى دراسة مصطلحي الوحي والوعي، فذكر أن مفهوم الوحي الخاص المتعلق بالنبوة ھو ما عبر عنه أهل العلم بأنه كلام ﷲ تعالى المنزل على نبي من أنبيائه، وإعلامهم بالشرع والدين، وهذا تعريف له بمعنى اسم المفعول؛ أي: الموحى، وهو "أن يعلِّمَ ﷲ تعالى من اصطفاه من عباده كل ما أراد اطلاعه عليه من ألوان الهداية والعلم ولكن بطريقة سرية خفية غير معتادة للبشر".
أما الوعي فأصله ضمَّ شيءٍ باستيعاب، كما يدل عليه مجمل استعمال العرب، وإن كان الخليل بن أحمد عبر بالحفظ كأصل لمادة وعى.العين (2/272)
والليث تكلم عن وعي مخصوص وھو: حفظ القلب للشَّيْء. تهذيب اللغة 3./ 166
أما من حيث المفهوم فالوعي الوارد في كلام ﷲ هو: العقل عن ﷲ، والانتفاع بكلامه، قال قتادة في قوله ﷲ:{وتعيها أُذنٌُ واعِيةٌَ}. [الحاقة : 12]، قال:" إذن عقََلَت عن ﷲ، فانتفعت بما سمعت من كتاب ﷲ". جامع البيان في تأويل القرآن 23.(/ 579
يتنزل الوحي على النبي صلى ﷲ عليه وسلم في صور شتى، أشدها أن يكون مثل صلصلة الجرس، فيكون الفعل الأول والأهم هو السمع لعلوم الوحي خاصة، وبعده الفهم والعقل والحفظ، لكن التعبير بالوعي في الحال التي يكون عليها رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم بعد أن يفصم عنه الوحي له دلالة خاصة، لاسيما وقد ورد الوعي بصيغتي الماضي و المستمر.
وأن النبي عليه الصلاة والسلام بلغ الكمال في الوعي والوحي، تحملا وأداء، وفهما وإفهاما، وأن هذا الكمال البشري في الوعي عن ﷲ، بلا عدول عن الصراط المستقيم، ولا جهل من اعتقاد فاسد، ولا ميل إلى شهوة نفس، هذه العصمة والضمانة من هذه المعضلات الثلاث بتمامها وكمالها لا تكون إلا للنبي عليه الصلاة والسلام.
كما أن هذا الوعي المتعلق به صلى ﷲ عليه وسلم، والموصوف به عند تلقيه الوحي، هو المطلوب في حق من هم دونه وبعده صلى ﷲ عليه وسلم، على قدر طاقتهم وجهدهم، قال تعالى: {لِنجَْعلََها لَكُمْ تَذْكرِةًَ وتََعِيَها أُذنٌُ واعِيةٌَ}. [الحاقة :12]، ويقول أن الوعي هو المطلوب الأول ممن سمع حديث رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم؛ لحديث: "نضّر ﷲ امرأً سمع مقالتي فوعاها، فأدّاها كما سمعها، فرب مبلَّغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه وليس بفقيه، ورب حامل فقه لمن هو أفقه منه"جامع الأصول1)/100 0
ثم انتقل إلى وضع قراءة في الثنائيات: إذ جعل دراسته الأولى في: ثنائية الوحي والوعي:
يقول المؤلف، بتتبعي للأحاديث التي وردت فيها مادة (و ع ى) ولها علاقة بالوحي وجدت جملة من الأحاديث التي جعلتني أجزم بأولوية هذه الثنائية على غيرها من الثنائيات المعبرة عن العلاقة بين كلام ﷲ وفهم البشر، ومن ذلك حديث عائشة رضي ﷲ عنها، وفيه خبر بدء الوحي إلى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم قال : "فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملَك رجلا فيكلمني، فأعي مايقول"، فعبر بالماضي و المستمر، والوعي هو حالة كمال بشري للنبي عليه الصلاة والسلام فيها حفظ للنص واللفظ و استيعاب للمعنى و المفهوم، وليس كما يظن البعض أن غاية ما هنالك ھو حفظ النص؛ لأن ﷲ تكفل بجمعه في قلب الرسول صلى ﷲ عليه وسلم ونهاه عن تحريك اللسان و العجلة في الحفظ، ومنها حديث أبي بكرة رضي ﷲ عنه، وفيه:"فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع".
صحيح البخاري (2/176).
وهذا في بلاغ كلام رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم، الشق الثاني من الوحي.
وعبر عن هذه الثنائية بأنها الأولى في تاريخ الأمة المسلمة، وهي الأكثر صلة ووفاءً في التعبير عن مسألة العلاقة بين مراد ﷲ وفهم الإنسان.
الثانية: ثنائية التنزيل و التأويل
استعمل ھذه الثنائية الإمام الشافعي رحمه ﷲ في التفسير والفقه، وابن جرير الطبري إمام المفسرين رحمه ﷲ وغيرھما من العلماء وأئمة التفسير.
الثالثة: ثنائية الظاھر والباطن
نجد ھذه الثنائية في تفسير سھل بن عبد ﷲ التستري رحمه ﷲ في تفسير الآيات كما في قول ﷲ تعالى: {لِتُنذرِ أمَُّ القْرُى ومنْ حولها}. [الشورى: 7]، قال: ظاهرها مكة، وباطنها القلب، ومن حوله الجوارح، وفي قوله تعالى: {وَالَفْجَرِْ، ولََياَلٍ عشَرٍْ}. [الفجر : 1.2]، قال: الفجر محمد صلى ﷲ عليه وسلم و الليالي العشر أصحابه العشرة الذين شهد لهم بالجنة.
ويضيف بأن الإمام الطبري ممن استعمل أيضا ھذه الثنائية، ثم خرجوا الدارسين لها بجملة من المفاهيم والقواعد الضابطة التي تدل على تطور منهجي في التفسير، مما فتح المجال لدراسة القواعد والمنهجيات الضابطة في أصول التفسير وأصول الفقه
الطالبة: إيمان الشويخ
تحت إشراف: الدكتور أحمد الفراك
مادة: المكتبة الفلسفية الإسلامية
الزھراني، خالد محمد أحمد، الوحي والوعي: قراءة في جوهر الصلة، مكة المكرمة، ط: 1، 1439هـ/2018م.
انظر أيضا:
انظر أيضا:
إرسال تعليق