وُجُوهُ الإِعْجَازِ فِي القُرْآنِ عِنْدَ الإِمَامِ الخَطَّابِيّ
أشار الإمام الخطابي في رسالته إلى أن وجوه الإعجاز في القرآن تنحصر في وجوه أربعة:
- الإعجاز بالصّرفة
- الإعجاز بما تضمنه من أخبار عن وقائع مستقبلية
- الإعجاز بالتّحدّي
- الإعجاز بالبلاغة
الوجه الأول: الإعجاز بالصرفة
بمعنى أن الله عز وجل جعل ھذا القرآن معجزا بـصرف الھمم عن معارضته، وشاعت نسبة ھذا القول للمعتزلة، ويعد النظام أول من جاھر بھذه النظرية وأعلنھا ودعا إليھا ودافع عنھا كأنھا مسألة من مسائل علم الكلام، لكنه ليس أول من فكر فيھا لأن الأفكار لا يعرف ابتداؤھا، يقول الشھرستاني: "وزعم النظام أن إعجاز القرآن بالصرفة أي أن الله صرف العرب عن معارضته وسلب عقولھم وكان مقدورا لھم لكن عاقھم أمر خارجي".
الوجه الثاني: الإعجاز بما تضمنه من أخبار عن وقائع مستقبلية
أي أن إعجاز القرآن إنما ھو فيما تضمنه من الأخبار عن الوقائع في مستقبل الزمان ثم حدثت تماما كما أنبأ عنھا القرآن، ويشير الإمام الباقلاني إلى أن ھذا الوجه ھو أحد الوجوه التي قالت به الأشاعرة وھو الإعجاز الغيبي، وينقسم الإعجاز الغيبي إلى:
- الإعجاز الغيبي في الماضي
- الإعجاز الغيبي في الحاضر
- الإعجاز الغيبي في المستقبل
وقد أورد الإمام الخطابي ھذا الوجه في رسالته ردا على من قال بأنه وجه شامل للقرآن، وذلك لأن المعجزة القرآنية ھي ما يستمر إعجازھا في كل زمان ومكان وھو لا يوجد في ھذا الوجه.
الوجه الثالث: أن القرآن معجز بتحديه للعرب الفصحاء
وھو أن يأتوا بمثل ھذا القرآن أو بسورة أو آية فعجزوا عن ذلك كما أخبرنا الله عز وجل بذلك في القرآن الكريم عندما طلب منھم أن يأتوا بحديث مثله بقوله: (فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين).
وطلب منھم أن يأتوا بعشر سور تشبه القرآن بقوله: (أم يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنت صادقين).
ثم تحداھم في آية أخرى بأن يأتوا ولو بسورة واحدة مثل القرآن فلم يستطيعوا كما قال عز وجل: (أم يقولون افتراه قل فاتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين).
ويؤكد لھم ھذا المعنى في آية أخرى بقوله تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شھدائكم من دون الله إن كنتم صادقين)، بل أكثر من ھذا فقد أفحمھم الله عز وجل بأنھم لم ولن يستطيعوا الإتيان بمثل ھذا القرآن الذي ھو المعجزة الخالدة للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودھا الناس والحجارة).
بالإضافة إلى أنھم مھما حاولوا الإتيان بمثله فلم يستطيعوا ولو اجتمعوا على ذلك بإنسھم وجنھم كما قال تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل ھذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضھم لبعض ظھيرا). وھو وجه حسن كما قال الخطابي رحمه الله.
الوجه الرابع: القول بالإعجاز البلاغي
وإليه ذھب أكثر العلماء من أھل النظر، ولقد فصل الإمام الخطابي القول في ھذا الوجه وأبان علته وأظھر سره.
إضافة إلى وجه آخر وھو قوله: إن الإعجاز القرآني إنما ھو بقيمه ومثله وأحكامه، ووجه استحالة أن يأتي مثلھا من بشر أمي في قوم أميين في زمان ومكان.
والراجح من ھذه الأوجه والله أعلم ھو الإعجاز من جھة البلاغة الذي قال به أكثر علماء البلاغة، لأنه وجه عام شامل لكل آيات القرآن في بلاغتھا.
خاتمة:
وھكذا نخلص في الأخير أن القرآن الكريم ھو المعجزة الخالدة للنبي الذي يدل على صدق نبوته، فقد تحدى العرب قاطبة بأن يأتوا بمثل ھذا القرآن فعجزوا عنه وانقطعوا دونه: وقد بقي يطالبھم به مدة عشرين سنة، فلم يستطيعوا في نھاية الأمر أن يأتوا بشيء منه، مع أنھم فرسان البلاغة وأرباب الفصاحة والبيان.
ويعد الإمام الخطابي رحمه الله رحمة واسعة أسبق المسلمين إلى البحث عن الإعجاز بحثا علميا منظما، ومن أشھر القائلين بـالإعجاز البلاغي؛ فقد أبان وجوه الإعجاز جميعھا وفصل فيھا القول، فرد منھا ما يستحق الرد وأبان سبب ذلك، وأثبت منھا ما يستحق القبول وأبان ذلك، ويرى أن إعجاز القرآن بالنظم أو البلاغة إنما كان باللفظ والمعنى معا.
كما أنه لا يعد الإعجاز بالصرفة وجھا من وجوه الإعجاز الذي يبقى لكل زمان ومكان ولا ينتھي فعله في نفوس الناس. بالإضافة إلى أنه ذكر وجھا آخر للإعجاز الذي لم يذكر من قبل بين وجوه الإعجاز وھو: "الإعجاز النفسي"، ويقع ھذا التأثير لكل قارئ وسامع للقرآن الكريم مطلقا.
نقلا عن الأستاذ الدّكتور: عبد الواحد بوشداق | جامعة عبد المالك السّعدي كلية الآداب والعلوم الإنسانية | الدّراسات الإسلامية
قد يُثير انتباهك أيضا:
👈 القدر المُعجز من القرآن
👈 شروط الإعجاز وخصائصه
👈 علم المناسبات في القرآن الكريم
إرسال تعليق