لتحليل قصيدة شعرية وجب اتباع الخطوات التالية:
- وضع النّص في سياقه الأدبي والتّاريخي.
- تكثيف مضامين القصيدة.
- استخراج الحقول الدّلالية.
- دراسة الجوانب الفنية للقصيدة.
- تركيب النتائج والمناقشة.
1- وضع النص في سياقه الثقافي والأدبي
وضع النص في سياقه الأدبي والتاريخي يعني أنه يجب أن نعرّف بالتيار وخصائصه ورواده. ثم نطرح سؤالا نصّه: إلى أي حدّ يمثل النص التيار الذي ينتمي إليه؟
ثم بعد ذلك نصوغ فرضية مناسبة للقراءة اعتمادا على مشيرات دالة (اسم الشاعر، مشيرات نصية، شكل النص، مناسبة النص إن كان النص إحيائيا)، نحدد فيها نوعية القصيدة وموضوعها.
2- تكثيف مضامين القصيدة
يعني تكثيف مضامين القصيدة أن نلخّص مضامين القصيدة في فقرة مُرَكَّزَة، وننظر هل المضمون المعبر عنه جديد أم قديم.
3- استخراج الحقول الدّلالية
استخراج الحقول الدلالية تعني تحديد الحقول الدلالية ومكوناتها والعلاقة بينها. ثم طبيعة اللغة الموظفة ومدى جدّتها أو محافظتها.
4- دراسة الجوانب الفنية للقصيدة
دراسة الجوانب الفنية للقصيدة بمعنى دراسة الإيقاع (الخارجي والداخلي)، والصور الشعرية ووظيفتها (تشبيه، استعارة)، والأسلوب ( الخبر والإنشاء، والضمائر، والأفعال)، ونلتزم بالمطلوب منا في السؤال.
5- تركيب النتائج والمناقشة
يعني تركيب النتائج ومناقشة مدى تمثيل النص للتيار الذي ينتمي إليه.
نموذج تحليلي تطبيقي من شعر إحياء النموذج
ديوان توفيق، محمد توفيق علي، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ص: 232.
شروح مساعدة
- الحُور: جمع حوراء، وهي التي اشتد بياض بياضها وسواد سوادها
- تروّعني: تخيفني
- الأقيال: الأسياد والملوك-الألى: الذين.
2. تكثيف مضامين القصيدة؛ 2ن
3. تحديد الحقول الدلالية المهيمنة، والمعجم المرتبط بها؛ 2ن
4. رصد الخصائص الفنية للنص، بالتركيز على الإيقاع والصورة الشعرية؛ 4ن
5. تركيب المعطيات، وإبراز مدى تمثيل النص للخطاب الذي ينتمي إليه؛ 4ن
عاش الشعر العربي فترات ازدهار منقطعة النظير في العصور الذهبية، لكنه دخل نفقا مظلما فيما سمي بعصور الانحطاط، حيث انصرفت عناية الشعراء إلى الاهتمام باللفظ والتلاعب البياني وأهملوا جانب المعنى، إلى أن جاءت حركة الإحياء التي بثّثت في عروق الشعر المتجمدة حياة جديدة قائمة على العناية بالمضمون والشكل وإحياء المعاني القديمة، سيرا على نهج الفحول القدماء. ومن أبرز الذين برزوا في هذه الحركة نذكر: البارودي، وشوقي، ومحمد توفيق الذي يعدّ من رواد هذه الحركة. فإلى أي حدّ تمثل القصيدة تيار إحياء النموذج؟
من خلال شكل النص القائم على نظام الشطرين، وبعض المشيرات النصية من قبيل : "تقضى الأنس والجذل، تروّهني الذكر، أسرفت في حب دار، فاكدح غلى الله...)، نفترض أننا أمام قصيدة منش عر إحياء النموذج، يتطرق فيها الشاعر إلى التحسّر على ماضي الشباب والتفكّر في الحياة وأخذ العبرة منها. فإلى أي حد تصح هذه الفرضية؟ وما مقصدية الشاعر؟
بدأ الشاعر قصيدته بالبكاء على السنين التي مرت بسرعة، متحسرا على أيام الصبا التي انقضت وذهب معها الفرح ، متفكرا في الحياة وتغيرها، ويلوم نفسه على الإسراف في حب الدنيا، ويتأمل في مضيّ الأيام وسرعتها، ناصحا نفسه بالكدح إلى الله وأخذ العبرة من الشيب قبل فوات الأوان.
لم يخرج الشاعر عن مضامين القصيدة القديمة التي يكثر فيها شعر التأمل في الحياة والوعظ، ما يعني أن الشعر يسير على نهج القدماء في المضمون.
يتوزع معجم القصيدة حقلان لاليان، الأول دالّ على التحسّر ويندرج تحته " منتقل، محتفل، تروعني، أمل.."، والثاني دالّ على النصح والتأمل ، ومما يندرج تحته نذكر: " اكدح، أين المواكب، استثمر نصيحته.."، ومن خلال تتبع مكونات الحقلين ييظهر أن حقل التحسر يربو على حقل النصح لأن غاية الشاعر تنصرفت إلى التحسر على ماضي الشباب الذي مضى بسرعة البرق، والعلاقة بين الحقلين قائمة على السببية، فتحسر الشاعر على ماضيه دفعه إلى أخذ العبرة.
جاءت لغة القصيدة على قدر من الصلابة والقوة والمتانة، وهي بذلك تشبه لغة القدماء.
بنى الشاعر قصيدته بناء عموديا تقليدا قائما على نظام الشطرين، والقافية المطردة الموحدة (منتقل : -0---0) التي أضفت على نهاية الأبيات نظاما ودقة، والروي الموحد الذي جاء لاما مضمومة (لُ) تعكس رغبة في تجاوز واقع الحسرة والتطلع إلى الغد. وقد أسهم الروي في خلق نغم متكرر يطرب النفس والأذن. هذا إلى جانب التصريع الذي نجده في مطلع القصيدة، فالعروض ( تقلو: فعلن) تبعت الضرب ( حفلو: فعلن) في النقصان مما أثمر نغما إيقاعيا متوازيا زاد من فاعلية المطلع الموسيقية.
ومن ناحية الإيقاع الداخلي، عوّل الشاعر على التكرار بأنواعه المختلفة، حيث نجد تكرار الصوامت (اللام، العين، الميم)، والصوائت (الضمة، الفتحة)، إضافة إلى الجناس (تقضت، انقضى)، إضافة إلى تكرار الصيغة الصرفة مفتعل (منتقل، محتفل..)، هذا إلى جانب التكرار العروضي ممثلا في تكرار القافية والروي والبحر.
حافظ الشاعر على النظام الإيقاعي القديم، ولم يدخل أي تجديد عليه.
ولأن الشعر لا يستقيم إلا بالصور الشعرية التي تعلي من قيمته الفنية، فقد وظف الشاعر الاستعارة في قوله: (ظل الثلاثين منتقل)، إذ أسند للظل فعل الانتقال والحركة من مكان إلى مكان، مشبها إياه بالإنسان، وهي استعارة مكنية تعبر عن تحسر الشاعر على فوات الشباب، وقد أدت هذه الاستعارة أيضا وظيفة تشخيصية وأخرى جمالية. ونجد استعارة أخرى في قوله ( تروعني الذكرى)، ناسبا إلى الذكرى فعل الترويع على سبيل الاستعارة المكنية.
استقى الشاعر صوره من الذاكرة الشعرية، لكن ذلك لم يمنعه من أن ينطلق من تجربته التي يعايشها.
زاوج الشاعر في قصيدته بين الخبر والإنشاء، ويهيمن الأسلوب الخبري على مجريات القصيدة، لأن الشاعر بصدد التحسر على الشباب المنقضي، إذ يعبر عن ألمه النفسي، وهو ما يستدعي إخبارا ونقلا وتصويرا، ونجد الأسلوب الإنشائي ممثلا في الاستفهام الدال على التحسر ( أي الألى..)، وإلى جانب ذلك كان لضمير المتكلم الحضور الطاغي على مجريات القصيدة (منتقل، تروعني..)، ذلك ان الشاعر يعبر عن نفسه وينقل تجربته، وجاءت الأفعال ( أسرفت، تروعني..)دالة على واقع نفسي مضطرم متحرك، وأسهمت في خلق دينامية أنقذت القصيدة من الرتابة.
عمل الشاعر في قصيدته على التحسر على ماضي الشباب متفكرا في الحياة ومآلها، قاصدا إلى أخذ العبرة من تحولاتها، ووظف لهاته الغاية صورا شعرية، وإيقاعا متناغما، ومعجما من حقلين، وزاوج بين الخبر والإنشاء، وختاما نخلص إلى تأكيد الفرضية، وانتماء النص إلى شعر الإحياء شكلا ومضمونا، فمن ناحية المضمون تطرق الشاعر إلى مضمون قديم، ومن ناحية الشكل حافظ الشاعر على بنية القصيدة لغة وصورة وإيقاعا.
إرسال تعليق